في مَعنى الـمُعجِزة
مُحَمَّد عَليّ عَبد الـجَليل
(الـحِوار الـمُتَمَدِّن، العدد ٧٩٤٥، تاريخ النشر : ١٢ / ٤ / ٢٠٢٤، الـمِحوَر : الفَلسفة، عِلم النفس، وعِلم الاجتماع)
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=826382
https://www.academia.edu/117393903/في_معنى_المعجزة
https://www.academia.edu/117394035/في_معنى_المعجزة
الـمُعجِزة (الخارِقة، الأُعجوبة، العجيبة) تدلّ على شيء يَـتعجّب منه الناظرُ ويَصعُب عليه فَهمُه أو الإتيانُ بمثله، مِن الفعل «أَعجَزَ» : سَبقَ وفاتَ فَلَم يُدرَكْ، أو جَعلَه عاجزاً غيرَ قادِرٍ، وهو مِن الجَذر الثلاثي «ع.ج.ز» بِـمعنى : أخّرَ، فالفعل المُعجِز هو الّذي يُعجِزُكَِ، أي يؤخِّرُكَِ عن فَهمِه فلا تُدرِكُ/تُدرِكينَ كيف حَصلَ ويفوتُكَِ فَهمُه.
والـمُعجِزة بالفرنسية (miracle) (وتُسمَّى أيضاً : merveille أو prodige) مشتَقَّة من اللاتينية (mirus) بمعنى : «مُدهِش غير اعتيادي يدعو للتعجُّب». فمفهومُ الـمُعجِزة يقوم على المفاجأة عند النظر أو على النظر بِدَهشة واستغراب. وسببُ المفاجأة هو قِلَّةُ الحدوث أو نُدرتُه، أيْ وصولُ صورةٍ جديدةٍ إلى الدماغ لم يكُنْ يألَفُها. فالمعجزة تتغير حسب الزمان والمكان والمُراقِب (أو الراصِد أو المُشاهِد).
الـمُعجِزة إِذاً ليست شيئاً مخالِفاً لقوانين الطبيعة، فنحن أصلاً لا نعرف قوانينَ الطبيعة، كما تَرَى الفيلسوفة سيمون فايل(Simone Weil) (١٩٠٩ - ١٩٤٣) في «التجذُّر» وفي «رسالة إلى رجل دين»، بل هي فِعلٌ غير اعتيادي يصعب القيامُ به بسهولة أو فهمُه بسرعة.
فأيُّ تحطيمٍ لرقمِ قياسي عند جماعة معيَّنة في زمان معيَّن هو مُعجِزة. وكلُّ شيء يُدهِشُكَِ هو معجِزة. وإذا وصلتَِ إلى حالةِ الدهشة من أي فِعلٍ أو مَنظَرٍ فدهشتُكَِ هذه هي مُعجِزة والفعلُ المدهِشُ هو معجزة. فأنْ تُدهَشَ/تُدهَشي فِعلاً لمجرَّد رؤية عنزة أو شجرة فهو أيضاً معجزة تكمن في تحرُّرِكَِ من رِبقة العادة.
وأنْ تَرَى/تَرَيْ عنزةً تطير أو شجرةً تتكلّم بكلام البشر فهذا إمّا هَلوَسة بصرية أو سمعية وإمّا خِداع وسِحر كأَنْ يوضَع في الشجرة شريحةٌ إلكترونية تُصدِرُ أصواتاً بشرية أو يُرَكَّبُ للعَنزَة جِهازاً متطوّراً يَسمح لها بالطيران. أمَّا أنْ تسمَعَ/تَسمَعي بطيران رَجُلٍ على بُراق إلى "السماء" وبولادة رَجُل من عَذراء فالأمر لا يتعدَّى الحكاية الرمزية أو الخُرافة.
ولهذا تُشير سيمون فايل في «التجذُّر» إلى أنّ قيام الإنسان بثلاث خطوات بدافع المحبة الخالصة هو معجزة سواءً كانت هذه الخطواتُ على الماء أو على الأرض، لكنها عندما تتم على الأرض لا تبدو مُدهِشةً. وتوضح فايل في «رسالة إلى رجل دين» : « فالصَّدَقة التي تَتِمُّ ببِرٍّ أو إحسانٍ خالص هي معجزة عظيمة كمعجزة المشي على الماء. فالقديس الذي يمشي على الماء يشبه تماماً القديسَ الذي يبكي. في كلتا الحالتين هناك آلية نفسية-فيزيولوجية أحدُ عناصرها الإحسان – وهنا تكمن المعجزة، أنْ يكونَ الإحسانُ أحدَ عناصر مثل هذه الآلية – وأن تكون له نتائجُ مرئية. فالنتيجة المرئية هي المشي على الماء في إحدى الحالتين والدموع في الحالة الأخرى. الحالة الأولى نادرة. هذا هو الفرق الوحيد.»
وتَرَى سيمون فايل في «التجذُّر» أنَّ المُعجِزة هي القَداسة، وأنَّ الخير هو القداسة، وأنَّ الفعل الوحيد الخارق للطبيعة هو القداسة وما شابهها. وتشرح هي القداسةَ بأنها المَحَبَّة الخالصة أو الحُبّ المطلَق أو حُبّ الله الذي يعمل كوقود السيارة فيدفع الـمُحِبّ إلى الفعل الحقيقي وليس إلى رَدّ الفِعل الاستجابي الآلي. والمقصود هو غياب الغاية والمصلحة والأنا. فأيُّ عَمَلٍ يَقوم به الإنسانُ بدافع الحُبّ الخالص هو معجزة وقداسة.
المفهوم الفايلي [بحسب سيمون فايل] للقَداسة يتلاقى مع المفهوم البوذي للاستنارة. فالنقطة المشتركة بين القداسة الفايلية والاستنارة البوذية هي غياب الرغبة. فمِن منظور بوذي، يمكن فهمُ القداسة بمعنى اليقظة والاستنارة. هناك قِصّة بوذية تشرح الاستنارةَ بالانتباه إلى ما يحدث هُنا الآن. هذه القصة ذَكَرها الراهبُ اليسوعي أنتوني دو ميللو (Anthony De Mello) (١٩٣١ - ١٩٨٧) بعنوان «أقطع الحطب» (بالإنكليزية : I chop wood) (بالفرنسية : Je fends du bois) في كتابه «أغنية الطائر» (بالإنكليزية : The Song of the Bird) (بالفرنسية : Comme un chant d’oiseau). تقول القصةُ إنَّ معلِّم الزِنْ كتبَ ما يلي بعدَ بلوغِه الاستنارة : «يا لَلروعة المُذهِلة ! أقطَعُ الحَطَبَ ! أَسحبُ الماءَ مِن البِئر !». والمقصود أنَّ الاستنارة هي رؤية مختلفة بعين الدهشة والجِدَّة. فالمشي فِعلٌ عاديٌّ عند أغلب البشر لكنه فِعلُ استنارة عند المستنير وفعلُ قداسة عند القِدّيس، لأن المستنير والقديس يدفعهما الحُبُّ الخالص والدهشةُ المذهلة وليس الأنانية والرغبات ولا رُدود الأفعال.
المعجزةُ، بحسب سيمون ڤايل، هي القداسة، والقداسةُ هي الاستنارة [أو اليقظة]، والاستنارةُ هي حُضورُ حَضرةِ الآنِ والانتباهُ والرصدُ بدون تدَخُّل الأنا وعدمُ الاعتياد بل رؤيةُ كلِّ شَيء جَديداً، أي أنْ يَكون بَصرُكَِ حَديداً حادّاً وَجَديداً جادّاً.
في الحقيقة، إنّ وجودكَِ معجِزةٌ، وإنَّ وجودَ كلِّ ما تراه/تَرَينَه معجِزةٌ أيضاً، لأنَّ دماغَكَِ يَعجَز عن فهمِه، وعن الإحاطة به، وعن إدراكِ كُنهِه. أنتَِ تَعجَز/تَعجَزين عن إدراك نفسِكَِ ووعيِكَِ. أنتَِ تظنُّ/تَظُنّين أنّكَِ أدرَكتَِ ما حولَكَِ لِمُجَرَّد رؤيته ولكنَّ دماغَكَِ الّذي لا يَهُمُّه سوى البقاء اعتاد وجودَ ما حولَكَِ لا أكثر، فَصنَّف الصورَ الّتي تكرَّرَ ورودُها إلَيهِ ضمن الأشياء الآمِنة التي لا خطرَ منها. وأنتَِ تَشعُرُ/تَشعُرين أنَّ هذه الأشياء الآمنة هي من ضِمن المعروف المُدرَكِ المفهوم المعلوم. إنَّ «التحرُّر من المعلوم» (التعبير لكريشنامورتي) هو الانتباه إلى أنَّ هذا المعلومَ هو غير معلوم في الحقيقة بل معتاد مألوف. أنتَِ تعتادُ/تعتادِين وتألَف/تألَفين المادَّةَ حولكَِ، ولكنْ لا تَفهَمُ/تَفهَمين سِرَّ هذه المادة.
لقد تـمَّ اعتبارُ الـمُعجِزة (أو «الكرامة» بحسب الإسلام) على أنها كلُّ شيء استثنائي نادر الحدوث أو مُبهِر للدماغ أو غير مُفَسَّر عِلمياً . بل تمَّ حصرُ مفهوم المعجزة في معنىً ديني أُسطوري يشير إلى كل حَدَثٍ غير عادي وغير متوقّع وغير مفسَّر يُنسَب إلى نَبيّ أو وَليّ أو قِدّيس أو زعيم دينيّ بتدخُّلٍ إلهيّ. فالشفاء غير المألوف وغير المفسَّر معجزة وخاصةً إذا وضعوه ضِمن طقس ديني فظَنّوا أنه حصلَ في مَعبَد أو على يد زعيم روحي أو بعدَ صلاةٍ أو توسُّلٍ لرمز ديني. واختلقوا أحداثاً أسطورية نسبوها إلى شخصيات دينية وصنَّفوها ضمن المعجزة. فصارت المعجزة تشير إلى نوع من الأدب الديني للأحداث النادرة أو المتخيَّلة.
إذا كان جوهرُ الـمُعجِزة، بحسب التعريف اللغوي، يقوم على المفاجأة والنظر بِدَهشة فأساسُ المعجزة إذاً هو نفسي داخلي في الدماغ. أساسُ المعجزة هو موقف نفسي أو حالة نفسية ورؤية وبصيرة. كلّنا رأى رؤيةً اعتياديةً التفاحةَ تسقط، ولكنّ إسحاق نيوتن (١٦٤٢ - ١٧٢٧) رآها ورَصَدَها بعين مختلفة. هذه الرؤية هي معجزة واستنارة وقداسة. والشيء بالشيء يُذْكَر، الحِكايةُ التي تَروي سقوطَ تفاحةٍ على رأس نيوتن لتوضِحَ نشأةَ تفكيره بالجاذبية هي حِكاية غير مؤكَّدة وقد رواها ويليام ستوكلي (William Stukeley) (١٦٨٧ - ١٧٦٥)، صديقُ نيوتن، في السيرة الذاتية لنيوتن والتي نُشرت عام ١٧٥٢، أي أي بعد مرور حوالَي ستين عاماً على الحادثة المفترضة. معَ ذلك فإنَّ رَصدَ نيوتن لسقوط التفاح ورَبْطَه بالجاذبيةِ والكتلةِ هو أمرٌ لا رَيبَ فيه.
Bulletin d’informations de l’association Alphabets n° 111 1er trimestre 2024. Calligraphie arabe. Calligraphe Maxime ADEL
Calligraphie arabe. Calligraphe Maxime ADEL. Bulletin d’informations de l’association Alphabets n° 111 1er trimestre janvier-février-mars 2024. P. 19.
Calligraphie arabe. Calligraphe Maxime ADEL. Bulletin d'informations de l'association Alphabets n° 111 1er trimestre janvier-février-mars 2024. P. 19.
https://www.academia.edu
La signification du mot «islām» entre Coran et exégèse. Approche linguistique, exégétique et traductologique
La signification du mot « islām » entre Coran et exégèse
Approche linguistique, exégétique et traductologique
Résumé :
Le présent article voudrait montrer du point de vue linguistique, exégétique et traductologique que le sens du terme « islām » n’est pas la « soumission » communément admis mais plutôt la pureté et que par la suite le verset « inna l-dīn ʿinda Allāh l-islām » [« Certes, la religion devant Dieu est al-islām »] (verset 3 : 19) ne parle pas de l’islam en tant que religion. L’auteur cherche l’origine biblique du dernier verset. C’est après l’expansion militaire de l’islam que le terme islām a pris le sens « soumission »
Abstract :
This article would like to show from the linguistic, exegetical and translatological point of view that the meaning of the term “islām” is not the “submission” commonly accepted, but rather purity and that subsequently the verse “inna l-dīn ʿinda Allāh l-islām” [“Certainly, religion before God is al-islām”] (verse 3: 19) do not speak of Islam as a religion. The author seeks the biblical origin of the last verse. It was after the military expansion of Islam that the term islam took on the meaning of “submission”.
مُلخَّص :
تَهدُف هذه المقالةُ إلى أنْ تُـبَـيِّـنَ مِن وُجهة نظر لغوية وتفسيرية وترجمية أنَّ مَعنَى لفظ «الإسلام» ليس المعنى المتعارَف عليه وهو «الخضوع» بل معنى الطهارة وأن الآية «إنَّ الدين عند الله الإسلام» (سورة آل عِمران، الآية ١٩) لا تَـتَـحَدَّث عن الإسلام كديِن. يبحث المؤلف في الكِتاب الـمُقَدَّس عن أصل هذه الآية. إنَّ مصطلح الإسلام قد أخذَ معنَى «الخضوع» بعد التوسع العسكري للإسلام.
:Lien de l'article à télécharger
La_signification_du_mot_islam_entre_Coran_et_exegese_Maxime_Adel
نَصّ «امتلاك الحقيقة»، ٢٠٠٦، مجلة معابر
___________امتلاك الحقيقة :___________
امتلاك الحقيقة محمد علي عبد الجليل أقبضُ يديْ على يديْ وأقول لكم: "الحقيقةُ، كلُّ الحقيقةِ، في يديْ." ولكي أُثبتَ لكم بالدليل القاطع أنني أمتلكُ الحقيقةَ، أفتحُ يديْ... فتجدون أنني أقبضُ على "لا شيء". أليست هذه هي الحقيقة؟ إحدى الدلالات على أننا كاذبون قولُنا: "إننا صادقون". مَن منا لا يكذب؟ إنْ قلتَ: "أنا"، فأنتَ أولُ الكاذبين.
http://www.maaber.org
أقبضُ يديْ على يديْ وأقول لكم:
"الحقيقةُ، كلُّ الحقيقةِ، في يديْ."
ولكي أُثبتَ لكم بالدليل القاطع أنني أمتلكُ الحقيقةَ، أفتحُ يديْ...
فتجدون أنني أقبضُ على "لا شيء".
أليست هذه هي الحقيقة؟
* * *
إحدى الدلالات على أننا كاذبون قولُنا: "إننا صادقون".
مَن منا لا يكذب؟
إنْ قلتَ: "أنا"، فأنتَ أولُ الكاذبين.
نكذبُ لنقولَ حقيقَتنا.
حقيقتُنا الضعف.
عندما نَصْدُقُ مِنْ أجلِ غايةٍ فإننا نكذب.
* * *
عندما نصلِّي فإننا ننفخُ بكلماتنا في عجلاتِ الأنا لكي تسير بسرعة أكبر...
فتُوْصِـلَنا إلى الهاوية بأمان.
أَصْدقُ طريقةٍ للصلاةِ ألا نُصلِّي.
لكنْ لا تنخدعوا فليست هذه هي الحقيقة.
- "إذنْ، ما هي الحقيقة؟"
لكي تصلَ إلى الحقيقة لا تسألْ عن الحقيقة.
إنْ تسألْ عن الحقيقةِ يحجبْـكَ سؤالُك.
امحُ من نفسكَ رغبةَ الوصول تَصِلْ.
امحُ من نفسِـكَ نفسَـك.
نظِّفْ نفسَـكَ من كل شيء،
حتى مِـنْ عِـلْمِـك.
كنْ أنتَ بدونِ الأنا.
كنْ لاأنتَ.
امحُ حدودَك.
كيف يمكن للقطرة أنْ تذوبَ في المحيط وهي ترسم حدودَ نفسها؟!
عندما ترى نفسَكَ وصلَتْ إلى "لاشيء"، فاعلمْ أنه – ربما - وصلْتَ إلى "حقيقة".
فاعلمْ أنَّ "ـهُ".
فاعلمْ أنَّ "هُـوْ".
فاعلمْ أنه "لا". (اعلمْ وجودَ "السلب المطلق").
فاعلمْ أنه "إله". (اعلمِ "السلبَ المقيَّـد").
فاعلمْ أنه "إلاَّ". (اعلمِ "التحديدَ").
فاعلمْ أنه "الله". (اعلمِ "الأسماءَ"، "التجلياتِ"، "الوجودَ").
فاعلم أنه "لا إله إلا الله".
لكنْ لا تغْـتَـرَّ فليست هذه هي الحقيقة.
عندما تعتقد أنكَ وصلْتَ فاعلمْ أنكَ ما وصلْتَ.
الوصولُ ألاَّ تَصِل.
الاعتقاد افتقاد.
لامِـسْ لاشيئـيَّـةَ كلِّ شيء.
لا تعتقدْ.
لا تتكلمْ.
لا تلتفِـتْ.
فقط انظرْ
فسوف ترى.
"ولقد رآه نزْلةً أخرى عند سِدْرةِ المنتهى. إذْ يغشى السدرةَ ما يغشى. ما زاغَ البصرُ وما طغى." (سورة النجم، 13-17)
محمد علي عبد الجليل، برلين 20-8-2006
رابطُ النَّص في مجلّة معابر:
http://www.maaber.org/issue_march11/editorial.htm
حول الاعنف حوار مع محمد علي عبد الجليل
حوار مع محمد علي عبد الجليل بسام شاغوري: الأستاذ محمد علي عبد الجليل أنت تكتب في موقع معابر وتترجم كتب من الفرنسية حول موضوع اللاعنف والسلمية، ومنها قاموس اللاعنف للفيلسوف الفرنسي جان ماري مولر، وهو غير معروف بقدر جين شارپ الذي انشهر صيته خلال الفترة الأولى للثورة السورية حيث قام العديد من الناشطين بعرض بعض أفكاره ونقاشها لإبقاء الطابع السلمي على الثورة.
http://maaber.50megs.com
حول الاعنف حوار مع محمد علي عبد الجليل
عدد معابر، شهر تموز٢٠١٣
De la non-violence: Entretien avec Mohamed Ali ABDEL JALIL
Revue Maaber, numéro de juillet 2013
حوار مع محمد علي عبد الجليل
مجلة معابر، عدد شهر تمّوز / يوليو ٢٠١٣
بسام شاغوري: الأستاذ محمد علي عبد الجليل أنت تكتب في موقع معابر وتترجم كتب من الفرنسية حول موضوع اللاعنف والسلمية، ومنها قاموس اللاعنف للفيلسوف الفرنسي جان ماري مولر، وهو غير معروف بقدر جين شارپ الذي انشهر صيته خلال الفترة الأولى للثورة السورية حيث قام العديد من الناشطين بعرض بعض أفكاره ونقاشها لإبقاء الطابع السلمي على الثورة. فماهي نقاط اللقاء أو الافتراق ما بين مقاربة مولر وشارب لموضوع اللاعنف؟
محمد علي عبد الجليل: لا يوجد نقاط افتراق بين مقاربة الأمريكي جين شارپ Gene Sharp والفرنسي جان-ماري مولر. فبالإضافة إلى كونهما صديقَينِ على الصعيد الشخصي فإنَّ الاثنينِ يستقيانِ أفكارهما من وحي غاندي ويقرآن غاندي بالطريقة نفسها. وقد قال لي مولر أكثر من مرة إنَّ جين شارپ عبَّر له كثيرًا عن اتفاقه على الاستراتيجية نفسها للعمل اللاعنفي وعن موافقته على أفكار مولر الفلسفية. أي هما متَّـفقان على تصورات اللاعنف. وقد شاركا معًا في كثير من الندوات كان آخرها في بيت لحم في شهر كانون الأول، ديسمبر، 2005.
إذا كان هناك من فرق (وليس اختلاف) فإن شارپ لم يعمل على فلسفة اللاعنف كما فعل مولر. بل اشتغل على الجانب العَمَلي وقدَّمَ تحليلاً سياسيًا براغماتيًا للعمل اللاعنفي. في حين أنَّ مولر طوَّرَ أُسُسَ فلسفةِ اللاعنف. كما أنَّ الاستراتيجية التي يحددها جين شارپ تنسجم تمامًا مع الفلسفة التي يطوِّرها مولر.
لا أدري لماذا اشتُهِرَ شارپ أكثر من مولر كما تقول. ربما لأن شارپ يكتب بالإنكليزية مما يتيح لأفكاره انتشارًا عالميًا أوسع ومقروئية أكثر. في حين أن أعمال مولر اللاعنفية تُرجِمَت إلى عدة لغات منها العربية والإسبانية والبولونية ولكنْ لم تُترجَم إلى الإنكليزية (باستثناء كتاب اللاعنف في التربية الذي نشرتْه اليونسكو بالإنكليزية والفرنسية والذي لم يتطرَّق إلى استراتيجية العمل اللاعنفي).
ب. ش.: على عكس ما يعتقد الكثيرون ويروج البعض، فإن اللاعنف لا يعني التخلي عن الحقوق ولا قبول الظلم أو الدكتاتورية. كما أن أشهر الداعين لللاعنف ناضلوا من أجل قضايا الحرية والمساواة والعدالة وأحيانًا دفعوا حياتهم لها.ويكفي الاستشهاد بمثل غاندي ومارتن لوثر كنغ لإثبات ذلك. ما هو برأيك الدافع من تقديم اللاعنفين وكأنهم متواطئون مع السلطة أو مع ظلمها وكيف يمكن الرد؟
محمد علي عبد الجليل: في الحقيقة ليست السلطة هي من تتهم اللاعنفيين بالتواطؤ معها. إنما الذين اختاروا العنفَ استراتيجيةً لمواجهة عنف السلطة هم الذين يسخرون من اللاعنفيين ويتَّهمونهم بالتواطؤ مع السلطة. في الواقع، السلطةُ تخاف من العمل اللاعنفي أكثر مما تخاف من العمل العنيف.
وبما أن الإيديولوجيا السائدة تمجِّد الحربَ وترفع من شأن المزايا الحربية وتجعلها بطولاتٍ فإنَّ الرأي العام ينظر إلى السلمية نظرةً سلبية (كما يؤكد مولر في قاموسه) وبالتالي فإنه يرفض اللاعنفيين لأنهم سِلْميون ويتهمهم بالخيانة والجبن والتواطؤ مع ظلم السلطة.
نعرف مدى حضور الأديان وأهميتها في مجتمعاتنا. والأديانُ [أو المؤسسات الدينية]، كما يشير مولر وكما يؤكد التاريخ، تجاهلَت فريضةَ اللاعنفَ الفلسفية واعتبرَت العنفَ حقًا طبيعيًا للدفاع المشروع عن النفس والمصالح فقدَّسَت العنفَ، ولكنْ"لم يتقدسِ العنفُ بل تدنَّسَ الدين" بحسب تعبير مولر. وهكذا عملَتْ الثقافةُ السائدة على التقليل من شأن اللاعنفيين بل وعلى تشويه صورتهم من خلال اتهامهم بالجبن وبالتواطؤ مع السلطة. علمًا أنَّ محاكاة عنف السلطة هو التواطؤ معها بعينه.فالتواطؤ، لغةً، هو التوافق. وهو القيام بنفس الفعل لتقويته. فعندما يقوم المظلومُ أو المعنَّـفُ بمواجهة ظلم الظالم أو عنف العنيف من خلال ظلمٍ أو عنفٍ مشابِه أو أشد فإنه في الحقيقة يقوِّي ظُـلمَ الظالم وعنفَ العنيف ويوسِّع دائرتَهما. وبالتالي فإنَّ مواجهة العنف بالعنف والظلم بالظلم هو تواطؤ مع العنف ومع الظلم. ولذلك فإنَّ اللاعنفي يرفض أنْ يتواطأ مع أي عنف من خلال رفضِه أنْ ينجرَّ إلى العنف، فيقول لأخيه العنيف: "لئنْ بَسَطْتَ إليَّ يدَكَ لِـتَـقْـتُـلَني ما أنا بباسطٍ يديَ إليكَ لِأَقتـلَكَ" (المائدة، 28).
ب. ش.: تقول في إحدى مقالاتك المنشورة في معابر (الذي للأسف، غادرنا مؤخرًا أحد مؤسسيه ومديره، الأستاذ أكرم أنطاكي)بعنوان ملاحظات في مفهوم الجهاد ما يلي: "حتى إنْ كان الجهاد في حب العدوِّ أصعبُ من الجهاد في محاربته فإنَّ الجهادَ في حبِّه هو الطريق الوحيد لكسبِه. الجهاد هو عدمُ الأذى، هو اللاعنف"[1]. تبدو هذه الفكرة شديدة المثالية وصعبة التحقيق، خاصة في الوضع الحالي في سوريا. فكيف يمكن أن تقدمها بحيث تصبح أكثر واقعية ومفهومة أكثر ومقبولة من السوريين؟
محمد علي عبد الجليل: عندما نقول يجب أنْ نحبَّ "عدوَّنا" فلا يعني الحبُّ هنا أنْ نعشقَه أو أنْ نحبَّه كما نحب زوجتَنا وأهلنا وصديقنا. حبُّ "العدوّ" يعني احترامَ إنسانيته وعدم أذاه. يعني أنْ نحبَّ الإنسانيةَ التي فيه. واحترامُ "العدوّ" ومحبته كإنسان ليست فكرة مثالية.
عندما لا يكون هناك إرادة كافية تلجأ النفسُ إلى لعبة الذهن وهي تقديم الأعذار. فنقول: هذه فكرة شديدة المثالية وصعبة التحقيق. إذا استطاع شخص واحد أنْ يطبِّق هذه الفكرة فهذا يعني إذًا أنها قابلة للتطبيق وليست مستحيلة. هل عدمُ الأذى صعبُ التحقيق؟ إذا أردنا أنْ نلجأ إلى الأعذار لتبرير تقصيرنا فيمكن أنْ نقول عن أية فكرة أخلاقية أنها مثالية وصعبة التحقيق. هذا من جهة. ومن جهة أخرى، يجب أنْ أنتبهَ إلى معنى الكلمات التي أستخدمها. من هو "العدوّ"؟ ومن هو "الآخر"؟ هل الشخص "الآخر" و"العدوّ" هو شخص غيري أنا؟ نبيُّ الإسلام يؤكِّد على أنَّ "أعدى عدوِّك نفسُك التي بين جنبيك". ويُعبِّر أدونيس عن ذلك بقوله: "أنتَ لا تكرهُني، أنتَ تكره الصورةَ التي كوَّنْـتَها عني، وهذه الصورةُ ليست أنا، إنها أنت". نحتاج فقط إلى الانتباه لما نفعل ونقول. يكفي أن نتحقَّق من أنَّ القانون الفيزيائي "مصونية الطاقة" [حفظ الطاقة]: الطاقة لا تفنى ولا تُستحدَث إنما تنتقل من شكل إلى آخر، ينطبق على كل شيء. أيْ أنَّ الطاقة الأخلاقية هي مصونة أيضًا (وهذا هو قانون "الجزاء"، قانون "الفعل وردِّ الفعل"). وقانون مصونية الطاقة هذا ليس مثاليًا ولا صعب التحقيق. إنه واقع. هناك شواهد كثيرة في القرآن والتراث الإسلامي تشير إلى هذا القانون، منها: "فمن يعملْ مثقالَ ذرَّةٍ خيرًا يرَه ومن يعملْ مثقالَ ذَرَّةٍ شرًا يرَه" (الزلزلة، 7 و8)؛ "كلُّ نفسٍ بما كسبَتْ رهينة" (المُـدَّثِّـر، 38)؛ "فبما كسبَتْ أيديكم" (الشورى، 30)؛ "ولِيُوَفِّيَهم أعمالهم وهم لا يظلمون" (الأحقاف، 19)؛ حديث: "يا عبادي إنما هي أعمالُكم تُــرَدُّ إليكم".
ونجد صدى هذا القانون في كل الأديان والثقافات: ففي إنجيل متى نقرأ: "بالكيل الذي تكيلون يكال لكم". ونقرأ في القانون الأخلاقي للأمريكيين الأصليين: "الطاقة السلبية التي تبثُّها في الكون سوف تتضاعف عندما تعود إليك". هذا القانون نعرفه جميعًا ولكن معرفة نظرية. نحتاج إلى الانتباه إلى ردود أفعالنا. ولو نظرنا إلى الأمر من وجهة نظر اقتصادية فإن الجهاد لكي نقتل الآخر (الذي نظنه "عدوًا") مكلف أكثر من جهاد أنفسنا لكي نحبَّه أو نحترمَه، هذا بالإضافة إلى أنَّ جهاد القتل مدمِّر لنا أولاً وللآخر الذي هو صورتنا ثانيًا.
علَّمونا أنَّ الإسلام يقوم على مبدأ التقوى وأنَّ مِن صفاتِ المتقين كظم الغيظ: "والكاظمين الغيظَ والعافين عن الناس واللهُ يُحِبُّ المحسنين" (آل عمران، 134). هذا يعني إنَّ أبسط الصفات التي ينبغي أن نتحلَّى بها لكي نكون من المتَّقين هي أنْ نتحكَّم بانفعالاتنا فلا نغضب، ثم أنْ نعفوَ عن المسيء، وحتى أنْ نحسنَ إلى المسيء. "وأنْ تَعْفوا أَقرَبُ للتقوى" (البقرة،237). ومن صفات المؤمنين: "وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلامًا" (الفرقان، 63). يعني حتى العنف في القول منبوذ في الإسلام.
ألم يؤكد القرآنُ والأحاديث النبوية على عدم الغضب وعدم الرد على الإساءة بإساءة: "لا تكونوا إمَّعةً، تقولون: إنْ أحْسَنُ النَّاسُ أحسنَّا وإنْ ظلموا ظلَمْنا، ولكن وطِّنوا أنفسَكم: إنْ أحسنَ النَّاسُ أنْ تُحسنوا، وإنْ أساءُوا فلا تظلموا" (رواه الترمذي عن حُذيفة)؛ "ادفعْ بالتي هي أحسَنُ فإذا الذي بيْنَكَ وبيْنَه عداوةٌ كأنه وليٌّ حميم" (فُصِّلَت، 34)؛ حديث: "صِلْ مَن قطعَكَ، وأعطِ من حرمك، واعفُ عمَّن ظلمك"؟ ألم يؤكد الحديثُ على إماطة الأذى عن الطريق؟ وعبارة "إماطة الأذى" قريبة من مصطلح ahimsa السنسكريتي بمعنى اللاأذى والذي ترجم بكلمة اللاعنف؟
ب. ش.: من جهة أخرى أنت تستند على مرجعية إسلامية لكي تثبت هذه الفكرة وغيرها من أفكارك اللاعنفية، مع أن مثل هذا النهج نادر بين الفقهاء أو الدعاة (هنا علينا أن نذكر الأستاذ جودت سعيد)، فهل هناك مدارس إسلامية انتهجت نفس منطق اللاعنف ويمكن الاستناد إليها للدفاع عن هذه الفلسفة؟
محمد علي عبد الجليل: عندما نتوجّه إلى قوم، يجب أنْ نتكلَّم بلغتهم وثقافتهم. والإسلامُ كغيره من الأديان يحتوي على قيم لاعنفية ينبغي التركيز عليها. في تاريخ الإسلام، لا نعرف إنْ كان هناك مدارس أو حركات أو تيارات لاعنفية متمايزة باستثناء حالات فردية صوفية تُقدِّم قراءةً لاعنفية للإسلام. في التاريخ الحديث، بالإضافة إلى جودت سعيد وخالص جلبي، هناك الشيخ السوداني محمود محمد طه. وهناك المرجع العراقي محمد الشيرازي الذي ألَّفَ كتابًا بعنوان اللاعنف في الإسلام. وكذلك الشيخ محمد تقي باقر، أمين عام منظمة اللاعنف العالمية (مسلم حر) الذي يعمل على نشر ثقافة اللاعنف.
ب. ش.: في مقال آخر تقول: "قد يبرِّر البعضُ لجوءَهم إلى العنف بغياب العدالة وبأنَّ الظلم يؤدي إلى العنف؛ ولكنَّ استخدامَ الوسائل العنيفة لتحقيق غاية عادلة يجعل الغايةَ عنيفةً أيضًا"[2]. كيف يمكن سحب هذه الفكرة على الثورة السورية اليوم؟
محمد علي عبد الجليل: يؤكد جان-ماري مولِّر في قاموس اللاعنف (الوسائل) على أنَّ اختيار الوسائل ليس أهم من اختيار الغاية (إذْ لا انفصال بين الوسيلة والغاية) وأنَّ الوسائل لا تكون عادلةً إلا إذا كانت الغاية عادلة. فالغاية العادلة لا يمكن أنْ تُبرِّر استخدامَ وسائلَ غيرِ عادلة. والوسائل غير العادلة لا تجعل القضية عادلة. إنَّ الوسائل العنيفة تُسبِّب الظلمَ والأذى، ولا يمكن للظلم أنْ يحققَ العدلَ. من يريد الحرية لا يقتل. من يريد إزالةَ الظلم لا يمكنه بلوغ غايتِه بارتكاب ظلم آخر. وإلا أصبح المظلوم ظالمًا. ومن أرادَ أنْ يتخلَّصَ من قيود الظلم لا يمكنه أنْ ينجح إذا قام بظلم آخر لأنَّ كارما الظلم الذي سيقوم به سيقيِّده وسترتدّ نتائجه عليه عاجلاً أم آجلاً.
إن الوسائل العنيفة لا يمكن أن تحقق الحريةَ والسلامَ المنشودَين ولا يمكن إلَّا أنْ تزيدَ من الآلام والقيود.
خاصية العنف أنه دوامة عمياء. فما إنْ يختار الإنسانُ وسائلَ عنيفة حتى تجرُّه هذه الوسائلُ إلى أوحال العنف. فالعنف أعمى كالغضب، كما يؤكد مولر وﭙـول ﭭـاليري.
العنف لا يلد إلا عنفًا. إنَّ عُنفَ بعضِ المعارضين للسلطة هو نتيجة وسبب في آن واحد: نتيجة لعنف السلطة وسبب في خلق سلطة أخرى عنيفة. ولا مفر من العنف سوى بالخروج من دائرة العنف. وللخروج من العنف يجب مقاومة مسببات العنف مقاومةً سِلْمية. ومن مسببات العنف: الظلم والتطرف والطائفية والتسليح والاستبداد.
ب. ش.: يذكر جان ماري مولر في مقال (عن الكلام) في قاموس اللاعنف، فكرة هامة جدًا، وهي أن العنف بالنسبة للمحرومين أو المظلومين هو تعبير أكثر منه فعل، إذ يصبح نوعًا من الهوية: "أنا عنيف إذن أنا موجود"، هوية تهدف إلى إثبات وجوده.ثم يربط هذا، كما يفعل المحللون النفسيون، بعدم إتاحة الفرصة لهم للتعبير بالكلام. ألا يوحي هذا التحليل أن العنف ليس استمرارًا للسياسة بوسائل أخرى، وإنما نفي لها. كيف يمكن الاستفادة من هذه الفكرة من أجل تفكيك العنف في سوريا من خلال عمل فكري ومدني، وهل هناك أمثلة على هذا العمل في أماكن أخرى؟
محمد علي عبد الجليل: للتنويه، إنَّ فكرة "العنف هو استمرار للسياسة بوسائل أخرى" هي بالأصل مستوحاة من قول المنظِّر العسكري الـﭙروسي كارل فون كلاوزِﭭيتس (Clausewitz (1780 – 1831: "الحرب هي مجرد امتداد للسياسة بوسائلَ أخرى". ولكن جان-ماري مولر يرى بأنَّ الجنرال الپروسي لم يكن يقصد أنَّ السياسة هي أصلاً الحرب، بل إن الحرب يجب أن تكون هي الأخرى عملاً سياسيًّا.
العنفُ، كغضبٍ أعمى، هو ضد السياسة التي هي فن يهدف إلى إحلال السلام وإدارة العمل المشترك والإدارة اللاعنفية للنزاعات. العنف هو إخفاق السياسة.
عندما تصادَر حريةُ التعبير، يحاوِل الإنسانُ التعبيرَ عبر العنف. وهذا العنف يحلُّ محلَّ الكلام الذي أُنكِرَ عليه. فهو يعبِّر عن معاناة؛ إنه "نداء استغاثة"، كما يرى مولر.
تشير سيمون ﭭـايل في كتاب التجذر إلى أنَّ حرية التعبير هي إحدى الحاجات الأساسية للنفس البشرية. وبعدم إشباعها تصبح النفسُ مريضة تمامًا. وعندما تصبح مريضةً قد تلجأ للعنف لإشباع حاجتها. وقد أشار إلى المعنى نفسه الشيخ محمد تقي باقر بقوله: "من يمارس العنفَ إنسان مريض وعليه مراجعة طبيب نفساني". تقول سيمون ﭭـايل: "حرِّية التعبير الكاملة وغير المحدودة عن أي رأي مهما كان وبدون أي قيد أو شرط أو تحفُّظ هي حاجة مطلقة للعقل. وبالتالي فإنها حاجة للنفس، لأنه إذا لم يكن العقل مرتاحًا فستكون النفسُ بكُـلِّيتها مريضةً". كلامُ سيمون ﭭـايل هذا يؤكده أدونيس: "بِقَدْرِ ما تَضيق مساحة القول والفعل عند الإنسان، تضيقُ مساحة وجوده، ويضيقُ معناه".
وبالتالي فإنَّ العنف في سوريا هو نتيجة لعوامل عديدة منها غياب حرية التعبير. وبالتالي فإنَّ الحرمان من حرية التعبير هو تكرار للخطأ الذي ساهم في العنف في سوريا والذي سيؤدي من جديد إلى العنف.
وهكذا فإنَّ اختيار معارضي السلطة للعمل اللاعنفي هو ضمان لسقوط السلطة العنيفة. أما إذا اختار المعارضون العنفَ لمواجهة سلطة عنيفة فإنَّ خيارهم هذا سينقلب عليهم وسيجعلهم في وضع أدنى مقارنةً بعنف السلطة. إنَّ من مصلحة السلطة العنيفة أنْ تجر معارضيها إلى ساحة العنف حيث تتفوق فيها على أي عنف. ولكن لا يمكن إجبار الناس على اختيار استراتيجية اللاعنف. إنهم ببساطة سيحصدون نتائج خياراتهم.
ينبغي في سوريا تفعيل الكلام المسالم. فالكلام يفضح الظلم ويساعد في تفريغ الغضب. لأنه، كما وردَ في الحديث: "أَفْضل الجهاد كلمة عدل [وفي رواية: حق] عند سلطان جائر"، ولأنَّ كلمة الحق، كما يقول مولر، لها وحدها القدرةُ على وضع حدٍّ للكذب الذي يغطِّي الظلم. وهذا يتطلب شجاعة. لقد صرخ نزار قباني في وجه الاستبداد قائلاً: "مولايَ / لا أريدُ منكَ ياقوتًا ولا ذَهَبْ / [...] / كلُّ الذي أرجوهُ أن تَسْمَعَني / [...] / إنْ كنتَ - يا مولايَ - لا تُحِبُّ الشعرَ والصُداحْ / فقلْ لسيَّافكَ أنْ يمنحَني / حُرِّيةَ النباحْ".
من الأمثلة العامة على نجاح العمل اللاعنفي: سقوط جدار برلين. كما أنَّ العمل اللاعنفي وخاصة اللاتعاون أطاح بنظام دكتاتور الفليبين فيرديناند ماركوس عام 1986. من جهة أخرى فإن جميع الحالات التي استُخدِم فيها العنفُ باءت بالفشل.
أجرى الحوار: بسام شاغوري
*** *** ***
صفحة AGORA على الفيسبوك
Les dialectes et l’arabe littéral au Maghreb aux yeux du Machreq: points de divergence et de convergence (brouillon)
La communication de Maxime ADEL:
(brouillon)
au séminaire: « Langues, expressions culturelles et sociétés au Maghreb » (2023/2024) (HSMCU14)
Lundi 2 octobre 10H - 13H, Salle de Colloque 1, Bâtiment Multimédia - Aix-Marseille Université
Programme du séminaire : https://www.iremam.cnrs.fr/fr/hsmcu14-seminaire-langues-expressions-culturelles-et-societes-au-maghreb-20232024.
حكاية القرآن
____________حِكايةُ القُرآنِ___________
«١- مِنَ "الكَشكولِ" كُـنَّا نَحنُ نَـنْـهَــــلْ، * لِأَنَّ اللهَ فيهِ الوَهْـمَ أَكمَـــلْ. [١]
٢- لَـقَدْ كُـــنَّا صِــغارًا بَـرمَـجونا * عَـلَـى التَّـصديقِ والـقُــبــحِ الـمُجَمَّـــلْ.
٣- وَقَـدْ كُـنَّــا جِـحاشًا فامْــتَـطــــانا * لُـصوصٌ، دونَـما مــاءٍ وَمَــــأكَــــلْ.
٤- وَسِـرْنـا كَـالـحِـمـــارِ بِـكُـــلِّ ذُلٍّ * يُـحَـــــرِّكُ ذَيْــــلَــهُ والرَّأسَ دَنْـــــدَلْ. [٢]
٥- أَشــــاعُـــوا أَنَّ رَبًّا فِــــي سَـــماءٍ * أَتَـــى بِالــرُّسْـلِ وَالـفُــرقـــانَ أَنْــزَلْ.
٦- جَــهِــلْنا أَنَّـهُ تـــألـيفُ قَـــومٍ، * وَبَــعــبصَ فيهِ أَصحابٌ لِــنَـــعـــثَـــلْ. [٣]
٧- إِياسُ السَّرسَنـيُّ قَدِ انْــتَـــقاهُ * مِــنَ الكُـتُــبِ القَديـمةِ، فيهِ عَــدَّلْ. [٤]
٨- فَــحَــرَّمَ فِــيـهِ خِـــنْــزيـرًا وَخَــمْـرًا، * وَفِــيـه الرِّقَّ وَالْـــغَـــزْواتِ حَـــلَّـــلْ.
٩- وَساعَدَهُ بِـهَذا بَـعضُ صَحبٍ * كَــدِحـيةَ وابنِ كَعبٍ وابنِ نَوفَـــلْ. [٥]
١٠- وَرَوَّجَــــه بِــخُــبْــثٍ مُـسْـتَــبِــد ٌّ * عَــلَـــى أُمَـمٍ وَصَـــدَّقَــهُ مُغفَّـــلْ.
١١- وَلَــكِــنَّ الْـكِــتـابَ يَــضُــمُّ كَــنْــزًا * مِــنَ الآثــارِ والأَدَبِ الـمُـــرَتَّـــلْ.»
محمَّد عليّ عبد الجليل، الثلاثاء ٢١ آذار/مارس ٢٠٢٣
[١] الكَشكول : مجموعة من الأوراق البيضاء غير المتجانسة مغلَّفة بورقٍ مُقوَّى. والكَشْكُولُ أيضًا جِراب [كِيس] أو وِعَاءٌ يَجْمَعُ فِيهِ الـمُتَسَوِّلُ مَا يُتَصَدَّقُ بِهِ عَلَيْهِ من أشياء مختلفة. والشطر الثاني («لِأَنَّ اللهَ فيهِ الوَهْـمَ أَكمَـــلْ») إشارةٌ إِلَى الآية ٣ من سورة المائدة «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ». والكشكول صفة أطلَقَها الباحثُ سامي الذيب على القرآن معتبرًا إِيَّاهُ «تَراكُمـ[ـاً] لِـمعلومات تَـمَّ تَـجميعُها بصورة عشوائية مِـمَّا يَـجعَـلُــ[ـه] أَقرَبَ إلى الكَشكول مِنهُ إلى الكِتابِ».
[٢] دَنْـدَلَ (سريانية) : دَلَّـى، جَـعَـلَ الشَّيءَ يَـتَـدَلَّى، وهُـنا بِـمَعنَى : طَـأْطَـأَ [خَفَضَ] الرَّأسَ طاعةً وإذعانًا وانقيادًا أو خَجَلاً.
[٣] نَـعـثَـلُ هُوَ لَقَبٌ تحقيريٌّ كانت تُطلِقُه عائشةُ، إحدى زوجاتِ النبيّ محمَّدٍ، على الخليفة عُثمان بن عَـفَّـان جامع القرآن الحالي. ويُقال إنَّ نَعثَل كان يهوديًّا طويل اللحية في الـمدينة يُشبِهُ عُثمانَ.
[٤] إياسُ السَّرسنيّ [من السراسنة، أَيِْ العَرَب، الإسماعيليين، الهاجَريين] هو إياس ين قبيصة [كَبيشة أو كَبشة] (أو إيلـيَّـا أو علي أبو تُراب) الطائيّ العربيّ مَـلِك الـمَناذرة في الـحِيرة وزعيم قبيلة طيء (طيايا)، وهو نفسه النبيّ مُحَمَّد، بحسب الباحث أ. جي. ديوس (A. J Deus) في كتابِهِ (The Great Leap-Fraud: Social Economics of Religious Terrorism, Judaism and Christianity. Vol. 2 : Islam and Secularization) [قفزة التدليس الكبرى : الاقتصاد الاجتماعي للإرهاب الديني واليهودية والمسيحية. مجلَّد ٢ : الإسلام والعَلمَنَة]، وكذلك بحسب الـمُبَـشِّر الإنجيلي الأمريكي جاي سميث (Jay Smith) وغيرِهِم.
[٥] دِحـية : هُوَ دِحية الكلبي، صحابي مشهور وتاجر غنيّ ومَضرِبُ الـمَثَلِ في حُسنِ الصورة، وَرَدَ عنهُ أنَّ جِبريلَ كان يأتي بِصورتِهِ، وُلِـدَ بِدومةَ الـجَندل (حاليًا في العربية السعودية) ٥٩٢ م وتُـوُفِّيَ في دِمَشْقَ ٦٧٠ م. كان له لقاءات عديدة بالنبي مُحَمَّد. ابن كَعب : هُوَ أُبَـيُّ بنُ كَعبٍ صحابي وكاتب للوحي. ابن نَوفَل : وَرَقة بن نوفَل الأسدي القُرَشي، رَجُل دين نصرانيّ أو يهوديّ، ابنُ عَمّ خديجة بن خُوَيلِد الزوجة الأولَى للنبيّ مُحَمَّد؛ تُوُفِّيَ ٦١٠ م؛ وقيل إنَّ الوحيَ فَـتَرَ [تَـأَخَّرَ أو تَوَقَّفَ مُؤَقَّتًا] عِندَ وفاةِ وَرَقة.
ما لا تَقولُه القَواميس عَن أصل لِـسَّه ولَيس «
« Ce que taisent les dictionnaires. L’être et sa négation chez les Arabes »
-
محمد علي عبد الجليل
(مِـنَـصَّة طِرْسْ Terss مِـنَـصَّة مغاربيّة ومُتوسطيّة للفنون والثقافة)
(Terss : Maghrebi & Mediterranean platform for Arts and Culture)
https://terss.net/ما-لا-تَقولُه-القَواميس-عَن-أَيسٍ-ولَي/?fbclid=IwAR1_KjqbliFZ5JoeIFy_Cd5IkRFOpAo2P2CaJEqVBcSxyFsG-4yHcgTlF-s
ملخَّص
-
يَستخدمُ الـمَشارقةُ في مِصرَ وبِلادِ الشام الَألفاظَ «لِـسَّه» وَ«إِسَّه» بمعنى : «الآنَ». وتَستخدمُ العربيةُ الفُصحى لِـنَــفْـيِ الـجُملَة الاِسمِيَّة في الـمُضارِعِ «لَيسَ» التي قال عنها عُلماء العَرَبيَّةِ إنَّ أَصلَها كَلِمَةٌ قَديـمَة قَدْ أُمِـيْـتَـتْ تَدُلُّ عَلَى الكينونة والوجود وهي «أَيْسٌ». ولكنَّ الـمَعاجمَ وَكُتُبَ اللغةِ لم تُعطِ أصلَ الكلمة، بل اكتفَت بالقول إنَّ أصلَها مُـماتٌ مَهجور.
-
يقدِّم المقالُ فرضيةً في الأصل الاشتقاقي للمفرداتِ «أَيسٌ» وَ«لَيسَ» الفَصيحَـتَـيـنِ وَ«إِسَّه» وَ«لِـسَّه» العامِّـيَّـتـيْـنِ و«شاءَ» وَ«شَيءٌ» وَ«يَـشْ» «ישׁ» الْـعِـبْـريَّةِوكذلكَ فِعلِ الكينونة الفرنسي «être». ويحاول أن يجد أصلاً لهذه الكلمات أَبعدَ بكثيرٍ من العربية القرآنية ولغة الأنباط واللُّغَة الصَّفَوِيَّـة البَدَويَّة (بين القرنَـيـنِ الأَوَّلِ قَبلَ الـمِيلادِ وَالثالث الـميلادي) ويربطها بالسومرية (حوالي ٢١٠٠ ق. م) التي كانت مَصدرَ بَعضِ أَساطير الديانات الإبراهيمية.كما يَعرض المقالُ استخدامات «أيس» الفلسفية واشتقاقاتها.
-
-
Résumé
-
-
Les orientaux en Égypte et au Moyen-Orient utilisent les mots « lessa » et « issa » dans le sens : « maintenant ». L’arabe littéral (classique) utilise, dans la négation de la phrase nominale au présent, « laysa » dont l’origine, selon les linguistes arabes, est un mot désuet et mort, désignant l’être et l’existence, c’est le mot « aysa ». Cependant, les dictionnaires et les ouvrages de langue arabe n’ont pas donné l’origine ou l’étymologie du mot, mais se sont contentés de dire que son origine est désuète abandonnée.
-
-
Le présent article expose une hypothèse sur l’origine étymologique des termes de l’arabe littéral « aysa » et « laysa », des termes de l’arabe dialectal « issa » et « lessa », des termes « shāʾa », et « shayʾ », du terme hébreu « yesh » (ישׁ) ainsi que du verbe français « être ». L’article essaie de trouver une origine à ces mots beaucoup plus éloignée de l’arabe coranique, de la langue des Nabatéens, et de la langue arabe bédouine safaïtique (entre le premier et le troisième siècle de notre ère) et relie ces termes au sumérien (vers 2100 av. J.-C.) qui fut à l’origine de certaines mythologies des religions abrahamiques. L’article présente également les usages philosophiques et les dérivés de « aysa ».
-
-
في مَسرحية «الشخص» للأَخَوَين رَحباني (١٩٦٨)، يقول الشاويش (وِلْـيَـم حسواني) : «هَـلَّـقِ فْطَرْتِ مْناقيشْ، / وْبَيضُ وْفُولُ وْشَـنِـگلِـيـشْ». عِندما قَرَّر الأَخَوان رَحباني عَرْضَ هذه المسرحيةِ في مِصرَ (١٩٨٢)، قام الشاعر المصري أَمَل دُنقُل (١٩٤٠ – ١٩٨٣) بترجَمتها إلى اللهجة المصرية؛ وربَّـما هذا هو العمل الفني الوحيد الـمُترجَم بين اللهجات العربية؛ وقام بِدَور البطولة مكانَ فيروز في النسخة المصرية الـمُغنّيةُ والـمُمثّلة عفاف راضي. وقد تَرجم دُنقُل قولَ الشاويش السابق هكذا : «لِسَّه فاطِر قَراقيشْ، / فُول وبِيض وچِـبْــنَــة قَريشْ». حيثُ تُرجِمَتْ أَو مُـصِّرَتْ كَلِمَةُ «هَلَّق»، وهي اختصار أو ترخيم لكلمة «هذا الوقت»، بكلمة «لِسَّه». وهذه الأخيرةُ شائعةٌ جدًّا في اللهجات الشامية والمصرية. فمَن مِنَّا لا يَذكُر «لِسَّه فاكِر» لأُمّ كُلثوم؟ ولا يزال الفلسطينيون يُغَنّون أُغنيتَهم الفُلكلورية الشهيرة «إِسَّا أَجَـا وْإِسَّا راح بَـيَّاع التُّـفَّاح»؟
-
-
غالبًا ما تُستَخدَم «لِـسَّه» وَ«إِسَّه» بِـمعنىً واحد وهو «الآنَ» أو «ما يزال» أو «مُنذُ قَليلٍ». وقد تشير في بعض اللهجات الشامية إلى معنى «أيضًا» لِطلب الـمَزيد. يُقال : «أَعطيني إِسَّا»، وهي منتشرة في الساحل السوري، وقيل هي أوغاريتيَّة. (مَوسوعة العامية السورية). فالاستخدام الأخير للفظة «إِسَّـا» بِـمَعنى «أيضًا»يُشير إلَى التَـحَوّل من معنى «الآن» إلى معنى «الصيرورة» و«العَود إلى الشيء». وكأنَّ الـجَـذر «أَيْـــسَ» [وُجود] تَـحَـوَّلَ إلَى «أَيْــضَ» [إعادة].
-
-
ولكنْ مِن أين جاءتْ «لِــسَّه» [«لِــسَّا»] وَ«إِسَّـه» [«إِسَّـا»]؟ وهل لها علاقة بِــ «لَيسَ» الفصيحة؟ وهل يُـمكِن افتراضُ أصل مشترَك أبعدَ من تاريخ ظهور العربية لغةً مستقلَّة؟ يبدو أنَّ اللام في «لِـسَّه» تعني «إِلَى»أو «حَتَّى» ولا تُفيدُ النفيَ لأنَّ استخدامَها العامّيّ يُلزِمُ مَعَها أيضًا استخدامَ أداةِ النفي «لا» أو «ما» فَـيُـقال مَثَلاً : «لا، لِــسَّه [«إِسَّـه»] ما وِصِل».
-
-
يُقال إن كلمة «إِسَّا» الّتي بِـمَعنى «الآنَ» في بعض لهجات فلسطين وخاصّةً منطقة الجليل، كما في أُغنيَّة الـمُلَحِّن الفلسطيني فَرج سليمان «إِسَّا جاي؟» (٢٠١٧) أَيْ : الآنَ تَأتي؟ وهو استفهام استنكاري، وتُلفَظ في العِراق «هَـسَّا»، هي ترخيم أو تخفيف أو اختصار لكلمة «السَّاعَة»، وَقِيلَ : هي مِن أَصلٍ سِريانيّ، حسب ياسين عبد الرحيم، في موسوعة العامية السورية، حيثُ أَضافَ أَنَّ كلمة «إِسّ» تُستَخدَم في بعض لهجات سوريا بِـمَعنَى «عَلاقة» أو «عِلْم» أو «خَبَر»، فـيُقالُ في نفي تُهمةٍ : «ما لي إِسَّا»، وقال إنَّها جاءت، حسبَ رَأيِهِ، من الإسِّ أي الأَثَر مِن كلِّ شيءٍ.
-
ولكنْ لو كان الأصلُ الصرفي لكلمة «إِسَّا» هو «اَلسَّاعَة» فكيف نُفسِّر استخدامَها كفِعلٍ جامدٍ بإلصاقِ ضَمائرَ مُـتَّـصلةٍ بها وخاصَّةً نُون الوقاية مع ضمير المتكلِّم فنقول : «إِسَّاتْــنـــــي» و«إِسَّاتــو» وتُلفَظ باللام أيضًا بِمعنىً واحد : «لِـــسَّاتْــنـــــي» و«لِــــسَّاتــو»؟
إذا نظرنا في الحقل الدلاليّ لِكَلِمَـتَـيْ «لِــسَّا» وَ«إِسَّـا» نلاحظ أنها تُشير إلى الزَمن الـحاضر، الآن، وهذا هو سَبَبُ ربطِها صَرفيًّا ودِلاليًّا بكلمة «الساعة».
ونظرًا للعلاقة الصوتية والدلالية بين «لِسَّا» وَ«لَيسَ»، حيثُ إنَّ «لِسَّا» تَدُلُّ على الآن و«لَيسَ» على نفي الآن، يمكننا افتراض جَذر مشترَك للكلمتَينِ.
-
حسب رأي عُلماء العَرَبيَّةِ كالخليل الفراهيدي وابن فارس والزمخشري وابن منظور وأَبي علي الفارسي، إنَّ أَصلَ الفِعلِ الـجامِدِ العَرَبيّ «لَـيْـسَ» (الـمُستَخدَمِ لِـنَــفْـيِ الـجُملَة الاِسمِيَّة في الـمُضارِعِ [الـحاضر]) هُـوَ: «لاأَيْــسَ» أَيْ: «لا وُجِــدَ» (أَو «لا يُـوْجَــدُ»). و«أَيْسٌ» هِيَ كَلِمَةٌ قَديـمَة قَدْ أُمِـيْـتَـتْ، أَيْ مَهجورة، تَدُلُّ عَلَى الكينونة.
-
يُـقالُ في العربيَّة الفُصحَى: «اِئْـتِــنِـي مِـنْ حَــيْــثُ "أَيْــسَ" وَ"لَــيْــسَ"»، أَيْ: «مِنْ حَــيْــثُ هُوَ وَلا هُوَ».وَ«أَيْـسَ»: مَوجود، وَ«لا أَيْـسَ»: لا مَوجود. ذَكَرَهُ لِسان العَرَب والقاموس الـمُحيط والعَـيـن ومقاييس اللغةوتاج العَروس والـمُـستقصَى مِن أمثال العَرب وتَهذيب الُّلغة، وغيرها. فَـمَعنى «أَيْس» بحسب مَعاجِم اللُّغة هو كمعنى «حيثُ هو في حال الكَينونة والوَجْدِ». ولكنَّ الـمَعاجمَ وَكُتُب اللغة لم تُعطِ أصلَ الكلمة.
قال الفَراهيديُّ إِنَّ «أَيْـسَ» "كَلِمةٌ قد أُميتَتْ". ولكنَّ فلاسفةَ الإسلامِ أَحيَـوها وجمَعوها على «أَيْـسات» واشتَقُّوا منها فِعلاً ومَصدرًا واسمَ فاعل : أَيَّــسَ يُـؤَيِّـسُ تَـأْيِـيْـسًا فَـهُـوَ مُـؤَيِّـسٌ.
وقد رَبَطَ الدكتور جميل صليبا في كتابه «الـمُعجَم الفلسفي بالألفاظ العربية والفرنسية والإنكليزية واللاتينية» بين جذر لَيسَ، وهو «أَيسَ»، وبين الفعل اللاتيني الذي يدُلُّ على الوجود Esse فقال :
أَيْسَ
في الفرنسية : Etre, il est
في الإنكليزية : to be
في اللاتينية : Esse
-
في الفلسفة، «الأَيْـسُ»: وجود الكينونة أو الكائن الـمَوجود. و«أَيَّـسَــهُ»: كَوَّنَ وُجودَهُ. قالَ أبو يَعقوبَ السِّـجْـزِيُّ [السِّجِسْتانيّ] الإسماعيليّ: «لَـمَّا كانَ اسْمُ اللهِ جَلَّ جلالُهُ بِالغَلَبةِ أَظْهَرَ الأَيْـسِـيَّــاتِ لا مِنْ أَيْـسٍ، حَـتَّـى أَيَّــسَها وسَمَّاها كَما شاءَ مُبْدِعُها وَمُؤَيِّـسُها».
-
-
ونُسِبَ إِلَى جابرٍ ابنِ حَـيَّان قولُه: «فَـيَـجِبُ مِن ذلكَ أَنْ يَكُونَ إِبداعُ الأَيْـساتِ عَنْ لَـيْـسَ»، أَيْ إِيجاد الـمَوجوداتِ عَن لاموجود، من العَدَم؛ «إِنَّهُ لا يَـخْـلُو الكَونانِ مِنْ أَنْ يكونا حَـيَّــيـْنِ، أَو مَـيِّـــتَـيـنِ، أَو أَحَدُهما حَـيًّا وَالآخَرُ مَـيْـتًا، أَو كُلُّ واحدٍ مِنْـهُما حَـيًّا مَـيْتًا. فَإِنْ كانا حَـيَّــيْـنِ ولا غَـيْـرَهُما فَالـمَوتُ لَـيْـسٌ، والـمَوتُ مَـوجودٌ، وَالوجودُ أَيْـسٌ، فالـمَوتُ أَيْـسٌ لَــيْـسٌ.»، أَيِْ: الـمَوت وجودٌ عَدَمٌ، ورُبَّما يَقصِد أَنَّ الـمَوتَ مَوجودٌ يَنفي موجودًا. (رَسائل جابر بن حَيّان، دار الكُتُب العلمية، ط١، ٢٠٠٦، ص ١٣٤، ١٣٧)
-
-
ويقول الكِـندي: «الإبداع هو إظهار الشَّيءِ عن لَـيْـسَ»، أَيْ: إِخراجُ الشَّيْءِ مِنْ لاشَيْءٍ، أَيْ: إِظهارُ الـمَوجودِ مِن العَدَمِ. ويقول ابن سينا في رسالة الحدود: «حَــدُّ الإبداعِ هو اسمٌ مُشترَك لِـمَفهومَـيـنِ أَحَدُهما تَــأْيِــيْـسُ الشَّـيءِ لا عَن شَيْءٍ ولا بِـواسِطةِ شَيْءٍ»، أَيْ إِيجاد الـمَوجودِ لا مِن مَوجودٍ ولا بِواسِطة مَوجودٍ. ونُـقِـلَ في الـمِـلَلِ وَالـنِّـحَـلِعن ثاليس الـمِلْطِي [طاليس الـمِلطي Thales of Miletus، ت ٥٤٥ ق. م] أنه قال: «الإِبداع هو تَــأْيِــيْـسُ ما لَـيْـسَبِـــأَيْــسٍ». ( بِـحار الأنوار، الـمجلسي) ووَرَدَ أيضًا عن ابن سينا في الإشارات (ص ١٧٤) : «ومنها مثل أنْ يكونَ الشَّيءُ عالِـمًا بأنَّ شيئًا لَيسَ ثُـمَّ يَحدُثُ الشَّيءُ فيصير عالـمًا بأن الشَّيءَ أَيس». وقال ابن سينا أيضًا: «فإن الهيولى لا تَسبِقُ الصورةَ بالزمان، ولا الصورةُ الهيولى أيضًا، بل هما مبدعان معا عن لَيسيَّة» (الأَجرام العلوية، ٤٣ –٤٤).
-
لَـقَد كَتَبَ الباحثُ اللُّغَويُّ الـمُؤَرِّخُ السوريُّ الـحَلَبيُّ خير الدين الأسدي (١٨٩٩ – ١٩٧١) كِتابًا بِعُنوان: «أَيسَ وَلَـيـسَ»، وهو مخطوط من ٢٥٧ صفحة لَـمْ نَـتَـمَكَّن من العثور عليه.
وقَد دَرَسَ أَحمدُ الـجَلاَّدُ الباحِثُ في جامعة ولاية أوهايو أَقَدمَ الشَّواهِدِ الكِتابية النَّقشيَّة (épigraphique) عَلَى «لَيسَ»، وتَوَصَّلَ إِلَى أَنَّها لَفظَة مُقتَرَضَة دَخَلَتْ إِلى البيئة القرآنية والعربية الفصيحة وأَنَّ شواهِدَها في قَواعد اللُّغَة الصَّفَوِيَّـة[الصفائيّة] البَدَويَّة (وهي لَهجة عربية قديمة كانت سائدة في بادية الشام وشمالِـيِّ شِبهِ الـجزيرة العربية بين القرنَـيـنِ الأَوَّلِ قَبلَ الـمِيلادِ وَالثالث الـميلادي [ولا علاقة للصَّفَويين العَرَب البَدو بالصَّفَويين الإيرانيين (القرن ١٣ م) المنسوبين لِـصَفِيِّ الدين الأردبيلي مؤسس الدَّولة الصَّفَوية]) تَستبعِد أصلَها الآراميَّ وتَفتَرِض مَصدرًا أقدَمَ بكثير من بيئة القُرآن وَأَنَّ مِن الـمُمكِن أَنْ تَكونَ قد اقـتُـرِضَتْ مِن الآشورية وهِيَ إحدى لهجات اللُّـغة الأكَّادية الشرقية السامية القديمة أو مِن عربية شَمالية كالـتَّـيـمانِـيَّـة (Taymanitic) [نِسبةً إِلَى «تَـيماء» شمال غرب الجزيرة العربية، وربَّـما هي اللُّغة الثَّـموديَّة نِسبةً إِلَى قَوم ثـمود الّذين سَكَنوا تَيماءَ].
يبدو أَنَّ «لَيسَ» أَتَت مِن لُغة أَبعدَ مِن عَربية الأَنباطِ (١٦٩ ق.م – ١٠٦ م)، فَـ «الـحرف الوحيد الذي جاء في النبطية ويفيد النهي والنفي هو حرف "ل ا" (بِـمعنى : "ليس، لا، لن")». ولَمْ تُستَخدَمْ لفظةُ «لَيسَ» في الأَكَّدية. فَأَدواتُ النفي في الأَكَّدية هي أَربعُ: ١-«لَ» [la]، ٢-و«أُلْ» [ul]، ٣-و«بَـلُـمْ» [balum]، ٤-و«أَيّ» [ayy]. وتُقابِلُ سِتَّ أَدواتٍ عربيَّة («لا» و«لَـمْ» و«لَـنْ» و«ما» و«لَيسَ» و«بِـلا»). وقد استُخدِمَتْ «أُلْ» [ul] بِـمَعنى: «لَـنْ» وَ«لَيسَ».
مِن الـمَعروف أنّ الأساطير السومرية القديمة الّتي وُضِعَتْ حوالي ٢١٠٠ ق. م، وتحديدًا ملحمة جلجامش، هي أصل بعض أساطير الكتاب المقدَّس كأسطورة الـخَلق والطوفان. وعلَى هذا الأساسِ فمِن الـمُرَجَّح أنْ يتجاوزَ التأثيرُ السومريُّ حقلَ الأسطورةِ لِـيَطالَ اللُّغةَ أيضًا نَظَرًا لِكَونِ اللغة هي حامل الأسطورة. فما الذي يَـمنَـع إذًا من أنْ نقترِحَ تأثيلاً أو تأصيلاً لِسانيًّا سومريًا فــنَـفترضَ أنَّ اللغة السومرية قد أثَّرَت في العربية وحتَّى في اللاتينية؟ فليست الأسطورةُ السومريةُ وحدَها أَصلًا لِأساطير الديانات المسمّاة "توحيدية" أو "إبراهيمية" بل إنَّ اللغة السومرية هي أصلٌ لِكلماتٍ مستخدَمةٍ في لُـغاتِ هذه الديانات.
مِنَ الـمُرَجَّـحِ، إذًا، أَنَّ كلمة «أَيْسَ» مُـنـحَـدِرة مِن لَفظة «أَش» السُّومريَّـة، نظراً للتشابه الدِّلاليّ والصوتي بين الكلمتَين والعلاقة التاريخية. ففي السُّـومَرية [وَهِيَ لُغة لاساميَّة إلصاقيَّة agglutinante] (حَوالَـيْ ٣٠٠٠ ق. م.) الّتي أثّرَتْ بالأَكَّـدِيَّة [وهي لُغة ساميَّة اشتقاقيَّة flexionnelle] (حَوالَي ٢٠٠٠ ق. م.) القَريبةِ جِدًّا من العربية [لُغة ساميَّة إشتقاقيَّة] (حوالي ٣٠٠ م)، كانَت اللَّفظةُ «أَش» [aš] تَعني الفِعلَ اللَّازِم: «يَـكُـونُ واحِدًا» (أَيْ «يُوجَد») أَو الاِسمَ: «واحِد» (أَيْالـمَوجود كَوَحدَة مُستقِلَّة).
وَما زالَـت هذهِ الكَلِمةُ «أَش» مُستخدَمةً في الْـعِـبْـريَّةِ [لُغة ساميَّة] (حوالي ١٠٠٠ ق. م.): «ישׁ» [«يَـشْ»]، أَيْ: «يوجَدُ»؛ وهِيَ مُنحَدِرة مِنْ فِعل الكينونة السومَري ثُـمَّ الأكَّادي «أَش» [aš]؛ والتشابهُ الصَّوتيُّ والأَحداثُ التاريخية (الوجود اليهودي في الإمبراطورية البابلية) تَـدعَمُ ذلك.
-
-
وفي اللاتينية [لُغة لاساميَّة إلصاقيَّة agglutinante] (حَوالَـيْ ٧٠٠ ق. م)، الفِعلُ «esse» [إِيسِّ] يعني «يُـوْجَــدُ» [أو «يَـكُـونُ»] (وهو أَصلُ الفِعل الفرنسي «être» [آيْــتْر]). ويبدو أنَّ السُّومرية والأكّادية قد أَثَّرَتا في اللاتينية، حيث كانت مَنطقةُ التَّـلاقي والتَّلاقُحِ الثقافي واللغوي والـحَضاري هي سوريا الطبيعية التي يُـمكِـنُ عَـدُّها بُـوتَـقَةَ الـحَضارات القديمة. فالإمبراطورية الآشورية الحديثة (٩٣٤ ق.م – ٦٠٩ ق.م) امتدَّ نُـفوذُها على كُـلِّ سوريا الطبيعية (قيليقيا وفينيقيا واليهودية والعربية) وقُبرُص. وهذِهِ الـمَناطِـقُ السُّورية صارت تَـحتَ نُـفوذِ الإمبراطورية البابلية الحديثة (٦٢٦ ق.م – ٥٣٩ ق.م) ثُـمَّ تحت حكم الإسكندر الأكبر المقدوني (٣٥٦ ق.م – ٣٢٣ ق.م) ثمَّ تحت نفوذ الإمبراطورية السلوقية (٣٠٥ ق. م – ٦٤ ق.م) ثم الإمبراطورية الرومانية (٢٧ ق.م – ٤٧٦ م).
-
-
والعَرَبيَّةُ الّتي نشأَتْ في القرن الثالث الـميلادي [وهي لُغة ساميَّة اشتقاقيَّة flexionnelle]، احتفظَت بأثَـرٍ لِـهذِهِ الكَلِمةِ السومرية والأكّادية «أَش» [aš] في الكَلِمات العَرَبيَّة التَّالِيَة:
-
١)- كلمة «لَـيْـسَ» [«لا أَيْــسَ»]؛
-
٢)- وَكلِمة «أَيْـسٌ» [مَوجودٌ] الـمُستخدَمة في الفلسفة فَـقَط؛
-
٣)- وكلمة «شَـيْء» (الَّتي تُـعَـدُّ مَصْدَرَ الفِعلِ «شَاءَ»)؛ و«الشَّيْءُ» هُوَ الـمَوجود؛ فَقَد عَـرَّفَ مُـعـجَـمُ الدَّوحةِ التاريخيُّ «الشَّيْءَ» بِالقولِ: «الشَّيْءُ كُـلُّ مَوجودٍ بِـوَجْـهٍ ما». وجاءَ في الـمُعجَم الوسيط: «الشَّيْء: الْـمَـوْجُود وَمَا يتَصَوَّر ويخبر عَنهُ».
وعادةً تُـبْدِلُ العربيَّةُ الشينَ السُّومرية والأَكَّادية والعِبريَّة سينًا. فالسِّـيـنُ وَالشِّـيـنُ يَـتعاوَران [يَتبادلانِ] في اللُّغاتِ السامِيَّة.ولكنْ إِذا صَحَّت فَرضيَّةُ أَنَّ «أَش» [aš] هِيَ أَصلُ «شَيْء» (والفِعل «شَاءَ») فَـمِنَ الـمُـرَجَّحِ أَنَّ العَرَبيَّة احتفَظَتْ بالشين الأَصليَّة لتفادي الـخَلْطِ بِـكَـلمة أُخرَى هِيَ «سَـيِّء» (والفِعل «سَاءَ»).
يوضح الجدولُ التالي الكلماتِ الّتي يُـحتَـملُ أَنَّها انبثقَتْ عَن اللَّفظة السُّومرية والأَكَّادية «أَش» [aš]:
|
|||
|
|
|
|
|
|
||
|
|
|
|
|
-
-
فَـالـمُـرَجَّحُ، إذًا، أَنَّــه عَن الكلمة السُّومرية القَديـمة «أَش» (= يَكون؛ واحِد) انبثقَتْ الكلماتُ الـحَديثةُ: العِبريَّةُ«ישׁ» [يَشْ] (يُوجَد) وَالفَرَنسيَّةُ «être» [ آيْتْر] (يَكُون) و«as» [أَسْ] (الواحِد في لَعبِ الورَق) والعَرَبيَّةُ الفُصحَى «ليسَ» وَ«شَيْءٌ» وَالعَرَبيّةُ العامِّـيَّـةُ «شِيْ» وَ«إِسَّا» وَ«لِسَّا» و«إِيـشْ» و«شُـو».
-
المراجع:
-
ابن منظور، معجَم لِسان العَرَب.
-
الفيروزآبادي، معجَم القاموس الـمُحيط.
-
الفراهيدي، معجَم العَـيـن، تحقيق مهدي المخزومي وإبراهيم السامُرَّائي، دار الهلال، القاهرة، بدون تاريخ، ٧/٣٣٠.
-
ابن فارس، مقاييس اللغة.
-
مرتضى الزبيدي، تاج العَروس.
-
الزَّمَخشَري، الـمُـستقصَى مِن أمثال العَرب.
-
أبو منصور الأزهري، تَهذيب الُّلغة.
-
الـمُعجَم الوسيط.
-
موسوعة العامية السورية، ياسين عبد الرحيم، وزارة الثقافة السورية، ج١، ص ١٥٣.
-
أبو يعقوب السِّجِستاني [ت. ٣٣١ هـ]، كتاب إثبات النبوءات، تحقيق: عارف تامر، دار المشرق، بيروت، ط٢، ١٩٨٦ م، ص ١٣٩.
-
رَسائل جابر بن حَيّان، دار الكُتُب العلمية، ط١، ٢٠٠٦، ص ١٣٤، ١٣٧.
-
آمال بنت عبد العزيز العمرو، كتاب الألفاظ والمصطلحات المتعلقة بتوحيد الربوبية.
-
العلامة الـمجلسي، بِـحار الأنوار، ج ٥٤، ص ٢٥٤.
-
معجم الدوحة التاريخي، https://www.dohadictionary.org/dictionary
-
سليمان بن عبدالرحمن الذييب، قواعد اللغة النبطية، مكتبة الملك فهد الوطنية، ٢٠١١، ص ٣٣.
-
حسنين حيدر عبد الواحد، «أُسلوب النفي في اللغة الأكَّدية. دِراسة مقارَنة مع اللغة العربية»، مجلَّة آداب الرافدَين، كلية الآداب، الـموصل، العدد ٥٧، السَّنَة ٣٩، عام ٢٠١٠، ص ٥٣١ – ٥٥٦.
-
جميل صليبا، الـمُعجَم الفلسفي بالألفاظ العربية والفرنسية والإنكليزية واللاتينية، دار الكِتاب اللبناني،بيروت، ١٩٨٢، الجزء الأول، ص ١٨٣.
-
Pascal Attinger, Lexique sumérien-français, Institut des sciences archéologiques, université de Berne, Suisse,https://anarkia333data.center/sites/default/files/2020-07/2019_lexique_sumerien_francais_attinger.pdf ;ttps://www.academia.edu/41837257/Lexique_sumérien_français
-
Ahmad Al-Jallad, « The earliest attestation of laysa and the implications for its etymology », Supplement to volume 48 (2018) of the proceedings of the Seminar for arabian studies languages, scripts and their uses in ancient north arabia, Papers from the Special Session of the Seminar for Arabian Studies held on 5 August 2017, edited by M.C.A. Macdonald, Seminar for arabian Studies, Archaeopress, Oxford, 2018, p.111.
« Ce que taisent les dictionnaires. L’être et sa négation chez les Arabes »
-
محمد علي عبد الجليل
(مِـنَـصَّة طِرْسْ Terss مِـنَـصَّة مغاربيّة ومُتوسطيّة للفنون والثقافة)
(Terss : Maghrebi & Mediterranean platform for Arts and Culture)
https://terss.net/ما-لا-تَقولُه-القَواميس-عَن-أَيسٍ-ولَي/?fbclid=IwAR1_KjqbliFZ5JoeIFy_Cd5IkRFOpAo2P2CaJEqVBcSxyFsG-4yHcgTlF-s
ملخَّص
-
يَستخدمُ الـمَشارقةُ في مِصرَ وبِلادِ الشام الَألفاظَ «لِـسَّه» وَ«إِسَّه» بمعنى : «الآنَ». وتَستخدمُ العربيةُ الفُصحى لِـنَــفْـيِ الـجُملَة الاِسمِيَّة في الـمُضارِعِ «لَيسَ» التي قال عنها عُلماء العَرَبيَّةِ إنَّ أَصلَها كَلِمَةٌ قَديـمَة قَدْ أُمِـيْـتَـتْ تَدُلُّ عَلَى الكينونة والوجود وهي «أَيْسٌ». ولكنَّ الـمَعاجمَ وَكُتُبَ اللغةِ لم تُعطِ أصلَ الكلمة، بل اكتفَت بالقول إنَّ أصلَها مُـماتٌ مَهجور.
-
يقدِّم المقالُ فرضيةً في الأصل الاشتقاقي للمفرداتِ «أَيسٌ» وَ«لَيسَ» الفَصيحَـتَـيـنِ وَ«إِسَّه» وَ«لِـسَّه» العامِّـيَّـتـيْـنِ و«شاءَ» وَ«شَيءٌ» وَ«يَـشْ» «ישׁ» الْـعِـبْـريَّةِوكذلكَ فِعلِ الكينونة الفرنسي «être». ويحاول أن يجد أصلاً لهذه الكلمات أَبعدَ بكثيرٍ من العربية القرآنية ولغة الأنباط واللُّغَة الصَّفَوِيَّـة البَدَويَّة (بين القرنَـيـنِ الأَوَّلِ قَبلَ الـمِيلادِ وَالثالث الـميلادي) ويربطها بالسومرية (حوالي ٢١٠٠ ق. م) التي كانت مَصدرَ بَعضِ أَساطير الديانات الإبراهيمية.كما يَعرض المقالُ استخدامات «أيس» الفلسفية واشتقاقاتها.
-
-
Résumé
-
-
Les orientaux en Égypte et au Moyen-Orient utilisent les mots « lessa » et « issa » dans le sens : « maintenant ». L’arabe littéral (classique) utilise, dans la négation de la phrase nominale au présent, « laysa » dont l’origine, selon les linguistes arabes, est un mot désuet et mort, désignant l’être et l’existence, c’est le mot « aysa ». Cependant, les dictionnaires et les ouvrages de langue arabe n’ont pas donné l’origine ou l’étymologie du mot, mais se sont contentés de dire que son origine est désuète abandonnée.
-
-
Le présent article expose une hypothèse sur l’origine étymologique des termes de l’arabe littéral « aysa » et « laysa », des termes de l’arabe dialectal « issa » et « lessa », des termes « shāʾa », et « shayʾ », du terme hébreu « yesh » (ישׁ) ainsi que du verbe français « être ». L’article essaie de trouver une origine à ces mots beaucoup plus éloignée de l’arabe coranique, de la langue des Nabatéens, et de la langue arabe bédouine safaïtique (entre le premier et le troisième siècle de notre ère) et relie ces termes au sumérien (vers 2100 av. J.-C.) qui fut à l’origine de certaines mythologies des religions abrahamiques. L’article présente également les usages philosophiques et les dérivés de « aysa ».
-
-
في مَسرحية «الشخص» للأَخَوَين رَحباني (١٩٦٨)، يقول الشاويش (وِلْـيَـم حسواني) : «هَـلَّـقِ فْطَرْتِ مْناقيشْ، / وْبَيضُ وْفُولُ وْشَـنِـگلِـيـشْ». عِندما قَرَّر الأَخَوان رَحباني عَرْضَ هذه المسرحيةِ في مِصرَ (١٩٨٢)، قام الشاعر المصري أَمَل دُنقُل (١٩٤٠ – ١٩٨٣) بترجَمتها إلى اللهجة المصرية؛ وربَّـما هذا هو العمل الفني الوحيد الـمُترجَم بين اللهجات العربية؛ وقام بِدَور البطولة مكانَ فيروز في النسخة المصرية الـمُغنّيةُ والـمُمثّلة عفاف راضي. وقد تَرجم دُنقُل قولَ الشاويش السابق هكذا : «لِسَّه فاطِر قَراقيشْ، / فُول وبِيض وچِـبْــنَــة قَريشْ». حيثُ تُرجِمَتْ أَو مُـصِّرَتْ كَلِمَةُ «هَلَّق»، وهي اختصار أو ترخيم لكلمة «هذا الوقت»، بكلمة «لِسَّه». وهذه الأخيرةُ شائعةٌ جدًّا في اللهجات الشامية والمصرية. فمَن مِنَّا لا يَذكُر «لِسَّه فاكِر» لأُمّ كُلثوم؟ ولا يزال الفلسطينيون يُغَنّون أُغنيتَهم الفُلكلورية الشهيرة «إِسَّا أَجَـا وْإِسَّا راح بَـيَّاع التُّـفَّاح»؟
-
-
غالبًا ما تُستَخدَم «لِـسَّه» وَ«إِسَّه» بِـمعنىً واحد وهو «الآنَ» أو «ما يزال» أو «مُنذُ قَليلٍ». وقد تشير في بعض اللهجات الشامية إلى معنى «أيضًا» لِطلب الـمَزيد. يُقال : «أَعطيني إِسَّا»، وهي منتشرة في الساحل السوري، وقيل هي أوغاريتيَّة. (مَوسوعة العامية السورية). فالاستخدام الأخير للفظة «إِسَّـا» بِـمَعنى «أيضًا»يُشير إلَى التَـحَوّل من معنى «الآن» إلى معنى «الصيرورة» و«العَود إلى الشيء». وكأنَّ الـجَـذر «أَيْـــسَ» [وُجود] تَـحَـوَّلَ إلَى «أَيْــضَ» [إعادة].
-
-
ولكنْ مِن أين جاءتْ «لِــسَّه» [«لِــسَّا»] وَ«إِسَّـه» [«إِسَّـا»]؟ وهل لها علاقة بِــ «لَيسَ» الفصيحة؟ وهل يُـمكِن افتراضُ أصل مشترَك أبعدَ من تاريخ ظهور العربية لغةً مستقلَّة؟ يبدو أنَّ اللام في «لِـسَّه» تعني «إِلَى»أو «حَتَّى» ولا تُفيدُ النفيَ لأنَّ استخدامَها العامّيّ يُلزِمُ مَعَها أيضًا استخدامَ أداةِ النفي «لا» أو «ما» فَـيُـقال مَثَلاً : «لا، لِــسَّه [«إِسَّـه»] ما وِصِل».
-
-
يُقال إن كلمة «إِسَّا» الّتي بِـمَعنى «الآنَ» في بعض لهجات فلسطين وخاصّةً منطقة الجليل، كما في أُغنيَّة الـمُلَحِّن الفلسطيني فَرج سليمان «إِسَّا جاي؟» (٢٠١٧) أَيْ : الآنَ تَأتي؟ وهو استفهام استنكاري، وتُلفَظ في العِراق «هَـسَّا»، هي ترخيم أو تخفيف أو اختصار لكلمة «السَّاعَة»، وَقِيلَ : هي مِن أَصلٍ سِريانيّ، حسب ياسين عبد الرحيم، في موسوعة العامية السورية، حيثُ أَضافَ أَنَّ كلمة «إِسّ» تُستَخدَم في بعض لهجات سوريا بِـمَعنَى «عَلاقة» أو «عِلْم» أو «خَبَر»، فـيُقالُ في نفي تُهمةٍ : «ما لي إِسَّا»، وقال إنَّها جاءت، حسبَ رَأيِهِ، من الإسِّ أي الأَثَر مِن كلِّ شيءٍ.
-
ولكنْ لو كان الأصلُ الصرفي لكلمة «إِسَّا» هو «اَلسَّاعَة» فكيف نُفسِّر استخدامَها كفِعلٍ جامدٍ بإلصاقِ ضَمائرَ مُـتَّـصلةٍ بها وخاصَّةً نُون الوقاية مع ضمير المتكلِّم فنقول : «إِسَّاتْــنـــــي» و«إِسَّاتــو» وتُلفَظ باللام أيضًا بِمعنىً واحد : «لِـــسَّاتْــنـــــي» و«لِــــسَّاتــو»؟
إذا نظرنا في الحقل الدلاليّ لِكَلِمَـتَـيْ «لِــسَّا» وَ«إِسَّـا» نلاحظ أنها تُشير إلى الزَمن الـحاضر، الآن، وهذا هو سَبَبُ ربطِها صَرفيًّا ودِلاليًّا بكلمة «الساعة».
ونظرًا للعلاقة الصوتية والدلالية بين «لِسَّا» وَ«لَيسَ»، حيثُ إنَّ «لِسَّا» تَدُلُّ على الآن و«لَيسَ» على نفي الآن، يمكننا افتراض جَذر مشترَك للكلمتَينِ.
-
حسب رأي عُلماء العَرَبيَّةِ كالخليل الفراهيدي وابن فارس والزمخشري وابن منظور وأَبي علي الفارسي، إنَّ أَصلَ الفِعلِ الـجامِدِ العَرَبيّ «لَـيْـسَ» (الـمُستَخدَمِ لِـنَــفْـيِ الـجُملَة الاِسمِيَّة في الـمُضارِعِ [الـحاضر]) هُـوَ: «لاأَيْــسَ» أَيْ: «لا وُجِــدَ» (أَو «لا يُـوْجَــدُ»). و«أَيْسٌ» هِيَ كَلِمَةٌ قَديـمَة قَدْ أُمِـيْـتَـتْ، أَيْ مَهجورة، تَدُلُّ عَلَى الكينونة.
-
يُـقالُ في العربيَّة الفُصحَى: «اِئْـتِــنِـي مِـنْ حَــيْــثُ "أَيْــسَ" وَ"لَــيْــسَ"»، أَيْ: «مِنْ حَــيْــثُ هُوَ وَلا هُوَ».وَ«أَيْـسَ»: مَوجود، وَ«لا أَيْـسَ»: لا مَوجود. ذَكَرَهُ لِسان العَرَب والقاموس الـمُحيط والعَـيـن ومقاييس اللغةوتاج العَروس والـمُـستقصَى مِن أمثال العَرب وتَهذيب الُّلغة، وغيرها. فَـمَعنى «أَيْس» بحسب مَعاجِم اللُّغة هو كمعنى «حيثُ هو في حال الكَينونة والوَجْدِ». ولكنَّ الـمَعاجمَ وَكُتُب اللغة لم تُعطِ أصلَ الكلمة.
قال الفَراهيديُّ إِنَّ «أَيْـسَ» "كَلِمةٌ قد أُميتَتْ". ولكنَّ فلاسفةَ الإسلامِ أَحيَـوها وجمَعوها على «أَيْـسات» واشتَقُّوا منها فِعلاً ومَصدرًا واسمَ فاعل : أَيَّــسَ يُـؤَيِّـسُ تَـأْيِـيْـسًا فَـهُـوَ مُـؤَيِّـسٌ.
وقد رَبَطَ الدكتور جميل صليبا في كتابه «الـمُعجَم الفلسفي بالألفاظ العربية والفرنسية والإنكليزية واللاتينية» بين جذر لَيسَ، وهو «أَيسَ»، وبين الفعل اللاتيني الذي يدُلُّ على الوجود Esse فقال :
أَيْسَ
في الفرنسية : Etre, il est
في الإنكليزية : to be
في اللاتينية : Esse
-
في الفلسفة، «الأَيْـسُ»: وجود الكينونة أو الكائن الـمَوجود. و«أَيَّـسَــهُ»: كَوَّنَ وُجودَهُ. قالَ أبو يَعقوبَ السِّـجْـزِيُّ [السِّجِسْتانيّ] الإسماعيليّ: «لَـمَّا كانَ اسْمُ اللهِ جَلَّ جلالُهُ بِالغَلَبةِ أَظْهَرَ الأَيْـسِـيَّــاتِ لا مِنْ أَيْـسٍ، حَـتَّـى أَيَّــسَها وسَمَّاها كَما شاءَ مُبْدِعُها وَمُؤَيِّـسُها».
-
-
ونُسِبَ إِلَى جابرٍ ابنِ حَـيَّان قولُه: «فَـيَـجِبُ مِن ذلكَ أَنْ يَكُونَ إِبداعُ الأَيْـساتِ عَنْ لَـيْـسَ»، أَيْ إِيجاد الـمَوجوداتِ عَن لاموجود، من العَدَم؛ «إِنَّهُ لا يَـخْـلُو الكَونانِ مِنْ أَنْ يكونا حَـيَّــيـْنِ، أَو مَـيِّـــتَـيـنِ، أَو أَحَدُهما حَـيًّا وَالآخَرُ مَـيْـتًا، أَو كُلُّ واحدٍ مِنْـهُما حَـيًّا مَـيْتًا. فَإِنْ كانا حَـيَّــيْـنِ ولا غَـيْـرَهُما فَالـمَوتُ لَـيْـسٌ، والـمَوتُ مَـوجودٌ، وَالوجودُ أَيْـسٌ، فالـمَوتُ أَيْـسٌ لَــيْـسٌ.»، أَيِْ: الـمَوت وجودٌ عَدَمٌ، ورُبَّما يَقصِد أَنَّ الـمَوتَ مَوجودٌ يَنفي موجودًا. (رَسائل جابر بن حَيّان، دار الكُتُب العلمية، ط١، ٢٠٠٦، ص ١٣٤، ١٣٧)
-
-
ويقول الكِـندي: «الإبداع هو إظهار الشَّيءِ عن لَـيْـسَ»، أَيْ: إِخراجُ الشَّيْءِ مِنْ لاشَيْءٍ، أَيْ: إِظهارُ الـمَوجودِ مِن العَدَمِ. ويقول ابن سينا في رسالة الحدود: «حَــدُّ الإبداعِ هو اسمٌ مُشترَك لِـمَفهومَـيـنِ أَحَدُهما تَــأْيِــيْـسُ الشَّـيءِ لا عَن شَيْءٍ ولا بِـواسِطةِ شَيْءٍ»، أَيْ إِيجاد الـمَوجودِ لا مِن مَوجودٍ ولا بِواسِطة مَوجودٍ. ونُـقِـلَ في الـمِـلَلِ وَالـنِّـحَـلِعن ثاليس الـمِلْطِي [طاليس الـمِلطي Thales of Miletus، ت ٥٤٥ ق. م] أنه قال: «الإِبداع هو تَــأْيِــيْـسُ ما لَـيْـسَبِـــأَيْــسٍ». ( بِـحار الأنوار، الـمجلسي) ووَرَدَ أيضًا عن ابن سينا في الإشارات (ص ١٧٤) : «ومنها مثل أنْ يكونَ الشَّيءُ عالِـمًا بأنَّ شيئًا لَيسَ ثُـمَّ يَحدُثُ الشَّيءُ فيصير عالـمًا بأن الشَّيءَ أَيس». وقال ابن سينا أيضًا: «فإن الهيولى لا تَسبِقُ الصورةَ بالزمان، ولا الصورةُ الهيولى أيضًا، بل هما مبدعان معا عن لَيسيَّة» (الأَجرام العلوية، ٤٣ –٤٤).
-
لَـقَد كَتَبَ الباحثُ اللُّغَويُّ الـمُؤَرِّخُ السوريُّ الـحَلَبيُّ خير الدين الأسدي (١٨٩٩ – ١٩٧١) كِتابًا بِعُنوان: «أَيسَ وَلَـيـسَ»، وهو مخطوط من ٢٥٧ صفحة لَـمْ نَـتَـمَكَّن من العثور عليه.
وقَد دَرَسَ أَحمدُ الـجَلاَّدُ الباحِثُ في جامعة ولاية أوهايو أَقَدمَ الشَّواهِدِ الكِتابية النَّقشيَّة (épigraphique) عَلَى «لَيسَ»، وتَوَصَّلَ إِلَى أَنَّها لَفظَة مُقتَرَضَة دَخَلَتْ إِلى البيئة القرآنية والعربية الفصيحة وأَنَّ شواهِدَها في قَواعد اللُّغَة الصَّفَوِيَّـة[الصفائيّة] البَدَويَّة (وهي لَهجة عربية قديمة كانت سائدة في بادية الشام وشمالِـيِّ شِبهِ الـجزيرة العربية بين القرنَـيـنِ الأَوَّلِ قَبلَ الـمِيلادِ وَالثالث الـميلادي [ولا علاقة للصَّفَويين العَرَب البَدو بالصَّفَويين الإيرانيين (القرن ١٣ م) المنسوبين لِـصَفِيِّ الدين الأردبيلي مؤسس الدَّولة الصَّفَوية]) تَستبعِد أصلَها الآراميَّ وتَفتَرِض مَصدرًا أقدَمَ بكثير من بيئة القُرآن وَأَنَّ مِن الـمُمكِن أَنْ تَكونَ قد اقـتُـرِضَتْ مِن الآشورية وهِيَ إحدى لهجات اللُّـغة الأكَّادية الشرقية السامية القديمة أو مِن عربية شَمالية كالـتَّـيـمانِـيَّـة (Taymanitic) [نِسبةً إِلَى «تَـيماء» شمال غرب الجزيرة العربية، وربَّـما هي اللُّغة الثَّـموديَّة نِسبةً إِلَى قَوم ثـمود الّذين سَكَنوا تَيماءَ].
يبدو أَنَّ «لَيسَ» أَتَت مِن لُغة أَبعدَ مِن عَربية الأَنباطِ (١٦٩ ق.م – ١٠٦ م)، فَـ «الـحرف الوحيد الذي جاء في النبطية ويفيد النهي والنفي هو حرف "ل ا" (بِـمعنى : "ليس، لا، لن")». ولَمْ تُستَخدَمْ لفظةُ «لَيسَ» في الأَكَّدية. فَأَدواتُ النفي في الأَكَّدية هي أَربعُ: ١-«لَ» [la]، ٢-و«أُلْ» [ul]، ٣-و«بَـلُـمْ» [balum]، ٤-و«أَيّ» [ayy]. وتُقابِلُ سِتَّ أَدواتٍ عربيَّة («لا» و«لَـمْ» و«لَـنْ» و«ما» و«لَيسَ» و«بِـلا»). وقد استُخدِمَتْ «أُلْ» [ul] بِـمَعنى: «لَـنْ» وَ«لَيسَ».
مِن الـمَعروف أنّ الأساطير السومرية القديمة الّتي وُضِعَتْ حوالي ٢١٠٠ ق. م، وتحديدًا ملحمة جلجامش، هي أصل بعض أساطير الكتاب المقدَّس كأسطورة الـخَلق والطوفان. وعلَى هذا الأساسِ فمِن الـمُرَجَّح أنْ يتجاوزَ التأثيرُ السومريُّ حقلَ الأسطورةِ لِـيَطالَ اللُّغةَ أيضًا نَظَرًا لِكَونِ اللغة هي حامل الأسطورة. فما الذي يَـمنَـع إذًا من أنْ نقترِحَ تأثيلاً أو تأصيلاً لِسانيًّا سومريًا فــنَـفترضَ أنَّ اللغة السومرية قد أثَّرَت في العربية وحتَّى في اللاتينية؟ فليست الأسطورةُ السومريةُ وحدَها أَصلًا لِأساطير الديانات المسمّاة "توحيدية" أو "إبراهيمية" بل إنَّ اللغة السومرية هي أصلٌ لِكلماتٍ مستخدَمةٍ في لُـغاتِ هذه الديانات.
مِنَ الـمُرَجَّـحِ، إذًا، أَنَّ كلمة «أَيْسَ» مُـنـحَـدِرة مِن لَفظة «أَش» السُّومريَّـة، نظراً للتشابه الدِّلاليّ والصوتي بين الكلمتَين والعلاقة التاريخية. ففي السُّـومَرية [وَهِيَ لُغة لاساميَّة إلصاقيَّة agglutinante] (حَوالَـيْ ٣٠٠٠ ق. م.) الّتي أثّرَتْ بالأَكَّـدِيَّة [وهي لُغة ساميَّة اشتقاقيَّة flexionnelle] (حَوالَي ٢٠٠٠ ق. م.) القَريبةِ جِدًّا من العربية [لُغة ساميَّة إشتقاقيَّة] (حوالي ٣٠٠ م)، كانَت اللَّفظةُ «أَش» [aš] تَعني الفِعلَ اللَّازِم: «يَـكُـونُ واحِدًا» (أَيْ «يُوجَد») أَو الاِسمَ: «واحِد» (أَيْالـمَوجود كَوَحدَة مُستقِلَّة).
وَما زالَـت هذهِ الكَلِمةُ «أَش» مُستخدَمةً في الْـعِـبْـريَّةِ [لُغة ساميَّة] (حوالي ١٠٠٠ ق. م.): «ישׁ» [«يَـشْ»]، أَيْ: «يوجَدُ»؛ وهِيَ مُنحَدِرة مِنْ فِعل الكينونة السومَري ثُـمَّ الأكَّادي «أَش» [aš]؛ والتشابهُ الصَّوتيُّ والأَحداثُ التاريخية (الوجود اليهودي في الإمبراطورية البابلية) تَـدعَمُ ذلك.
-
-
وفي اللاتينية [لُغة لاساميَّة إلصاقيَّة agglutinante] (حَوالَـيْ ٧٠٠ ق. م)، الفِعلُ «esse» [إِيسِّ] يعني «يُـوْجَــدُ» [أو «يَـكُـونُ»] (وهو أَصلُ الفِعل الفرنسي «être» [آيْــتْر]). ويبدو أنَّ السُّومرية والأكّادية قد أَثَّرَتا في اللاتينية، حيث كانت مَنطقةُ التَّـلاقي والتَّلاقُحِ الثقافي واللغوي والـحَضاري هي سوريا الطبيعية التي يُـمكِـنُ عَـدُّها بُـوتَـقَةَ الـحَضارات القديمة. فالإمبراطورية الآشورية الحديثة (٩٣٤ ق.م – ٦٠٩ ق.م) امتدَّ نُـفوذُها على كُـلِّ سوريا الطبيعية (قيليقيا وفينيقيا واليهودية والعربية) وقُبرُص. وهذِهِ الـمَناطِـقُ السُّورية صارت تَـحتَ نُـفوذِ الإمبراطورية البابلية الحديثة (٦٢٦ ق.م – ٥٣٩ ق.م) ثُـمَّ تحت حكم الإسكندر الأكبر المقدوني (٣٥٦ ق.م – ٣٢٣ ق.م) ثمَّ تحت نفوذ الإمبراطورية السلوقية (٣٠٥ ق. م – ٦٤ ق.م) ثم الإمبراطورية الرومانية (٢٧ ق.م – ٤٧٦ م).
-
-
والعَرَبيَّةُ الّتي نشأَتْ في القرن الثالث الـميلادي [وهي لُغة ساميَّة اشتقاقيَّة flexionnelle]، احتفظَت بأثَـرٍ لِـهذِهِ الكَلِمةِ السومرية والأكّادية «أَش» [aš] في الكَلِمات العَرَبيَّة التَّالِيَة:
-
١)- كلمة «لَـيْـسَ» [«لا أَيْــسَ»]؛
-
٢)- وَكلِمة «أَيْـسٌ» [مَوجودٌ] الـمُستخدَمة في الفلسفة فَـقَط؛
-
٣)- وكلمة «شَـيْء» (الَّتي تُـعَـدُّ مَصْدَرَ الفِعلِ «شَاءَ»)؛ و«الشَّيْءُ» هُوَ الـمَوجود؛ فَقَد عَـرَّفَ مُـعـجَـمُ الدَّوحةِ التاريخيُّ «الشَّيْءَ» بِالقولِ: «الشَّيْءُ كُـلُّ مَوجودٍ بِـوَجْـهٍ ما». وجاءَ في الـمُعجَم الوسيط: «الشَّيْء: الْـمَـوْجُود وَمَا يتَصَوَّر ويخبر عَنهُ».
وعادةً تُـبْدِلُ العربيَّةُ الشينَ السُّومرية والأَكَّادية والعِبريَّة سينًا. فالسِّـيـنُ وَالشِّـيـنُ يَـتعاوَران [يَتبادلانِ] في اللُّغاتِ السامِيَّة.ولكنْ إِذا صَحَّت فَرضيَّةُ أَنَّ «أَش» [aš] هِيَ أَصلُ «شَيْء» (والفِعل «شَاءَ») فَـمِنَ الـمُـرَجَّحِ أَنَّ العَرَبيَّة احتفَظَتْ بالشين الأَصليَّة لتفادي الـخَلْطِ بِـكَـلمة أُخرَى هِيَ «سَـيِّء» (والفِعل «سَاءَ»).
يوضح الجدولُ التالي الكلماتِ الّتي يُـحتَـملُ أَنَّها انبثقَتْ عَن اللَّفظة السُّومرية والأَكَّادية «أَش» [aš]:
|
|||
|
|
|
|
|
|
||
|
|
|
|
|
-
-
فَـالـمُـرَجَّحُ، إذًا، أَنَّــه عَن الكلمة السُّومرية القَديـمة «أَش» (= يَكون؛ واحِد) انبثقَتْ الكلماتُ الـحَديثةُ: العِبريَّةُ«ישׁ» [يَشْ] (يُوجَد) وَالفَرَنسيَّةُ «être» [ آيْتْر] (يَكُون) و«as» [أَسْ] (الواحِد في لَعبِ الورَق) والعَرَبيَّةُ الفُصحَى «ليسَ» وَ«شَيْءٌ» وَالعَرَبيّةُ العامِّـيَّـةُ «شِيْ» وَ«إِسَّا» وَ«لِسَّا» و«إِيـشْ» و«شُـو».
-
المراجع:
-
ابن منظور، معجَم لِسان العَرَب.
-
الفيروزآبادي، معجَم القاموس الـمُحيط.
-
الفراهيدي، معجَم العَـيـن، تحقيق مهدي المخزومي وإبراهيم السامُرَّائي، دار الهلال، القاهرة، بدون تاريخ، ٧/٣٣٠.
-
ابن فارس، مقاييس اللغة.
-
مرتضى الزبيدي، تاج العَروس.
-
الزَّمَخشَري، الـمُـستقصَى مِن أمثال العَرب.
-
أبو منصور الأزهري، تَهذيب الُّلغة.
-
الـمُعجَم الوسيط.
-
موسوعة العامية السورية، ياسين عبد الرحيم، وزارة الثقافة السورية، ج١، ص ١٥٣.
-
أبو يعقوب السِّجِستاني [ت. ٣٣١ هـ]، كتاب إثبات النبوءات، تحقيق: عارف تامر، دار المشرق، بيروت، ط٢، ١٩٨٦ م، ص ١٣٩.
-
رَسائل جابر بن حَيّان، دار الكُتُب العلمية، ط١، ٢٠٠٦، ص ١٣٤، ١٣٧.
-
آمال بنت عبد العزيز العمرو، كتاب الألفاظ والمصطلحات المتعلقة بتوحيد الربوبية.
-
العلامة الـمجلسي، بِـحار الأنوار، ج ٥٤، ص ٢٥٤.
-
معجم الدوحة التاريخي، https://www.dohadictionary.org/dictionary
-
سليمان بن عبدالرحمن الذييب، قواعد اللغة النبطية، مكتبة الملك فهد الوطنية، ٢٠١١، ص ٣٣.
-
حسنين حيدر عبد الواحد، «أُسلوب النفي في اللغة الأكَّدية. دِراسة مقارَنة مع اللغة العربية»، مجلَّة آداب الرافدَين، كلية الآداب، الـموصل، العدد ٥٧، السَّنَة ٣٩، عام ٢٠١٠، ص ٥٣١ – ٥٥٦.
-
جميل صليبا، الـمُعجَم الفلسفي بالألفاظ العربية والفرنسية والإنكليزية واللاتينية، دار الكِتاب اللبناني،بيروت، ١٩٨٢، الجزء الأول، ص ١٨٣.
-
Pascal Attinger, Lexique sumérien-français, Institut des sciences archéologiques, université de Berne, Suisse,https://anarkia333data.center/sites/default/files/2020-07/2019_lexique_sumerien_francais_attinger.pdf ;ttps://www.academia.edu/41837257/Lexique_sumérien_français
-
Ahmad Al-Jallad, « The earliest attestation of laysa and the implications for its etymology », Supplement to volume 48 (2018) of the proceedings of the Seminar for arabian studies languages, scripts and their uses in ancient north arabia, Papers from the Special Session of the Seminar for Arabian Studies held on 5 August 2017, edited by M.C.A. Macdonald, Seminar for arabian Studies, Archaeopress, Oxford, 2018, p.111.
À propos de la « lecture syro-araméenne du Coran » de Christoph Luxenberg
_Evaluation_du_travail_de_Christophe_Luxenberg_par_Maxime_ADEL
À propos de la « lecture syro-araméenne du Coran » de Christoph Luxenberg
Maxime ADEL
On peut déjà considérer le Coran arabe comme le résultat d’une traduction1 pour faire reconnaître une identité arabe. Ce à quoi fait allusion entre autres les versets XII, 2 et XX, 113 قُرآنًا عربيًا [Nous l’avons fait descendre en forme de Coran arabe]). Pour que les Arabes puissent comprendre les Écritures, Nous (Dieu représenté par l’équipe de traduction du Coran), nous avons fait descendre(anzalnā) le texte coranique en arabe. La similitude entre le Coran et les anciennes Écritures font allusion à ce processus de traduction. Plusieurs recherches ont mis en exergue cette similitude, comme les deux célèbres études : Le Prêtre et le Prophète : aux sources du Coran écrit par Joseph Azzi [Abū Mūsā al-Ḥarīrī] (trad. de l’arabe (Qiss wa-nabī) par Maurice S. Garnier, Maisonneuve et Larose, Paris 2001) et The Syro-Aramaic Reading of the Koran: A Contribution to the Decoding of the Language of the Koran (Lecture syro-araméenne du Coran : une contribution pour décoder la langue du Coran) de Christoph Luxenberg2. Il est vrai que l’étude de Luxenberg est critiquée par Michel Orcel qui décrit Luxenberg comme étant un « curieux savant islamophobe »3, par Patricia Crone4 et par Pierre Lory5, mais il est vrai aussi que cette étude a adopté une méthodologie qui ne contredit pas celle des écoles exégétiques musulmanes, dans le sens que les deux méthodologies se basent sur la grammaire et la morphologie de la langue arabe. De plus, les exégèses musulmanes ne sont pas moins partiales que les recherches d’Azzi et de Luxenberg. Il est à noter que les exégètes musulmans se sont référés à des dictionnaires dont le premier (Kitāb al-ʿAyn d’Al-Khalīl b. Aḥmad al-Farāhīdī [718-791]) a été élaboré un siècle après la parution du Coran. Claude Gilliot a défendu le travail de Luxenberg en disant qu’il a fait une autre lecture du Coran en se référant au syriaque(« son étude se situe dans la tradition et le genre des variae lectionis (qirāʾāt) du Coran »)6.
Il semble que l’une des fonctions du Coran était de contribuer à l’émergence et à la reconnaissance de la langue arabe (fonction de différenciation), fonction qui ressemble beaucoup à celle de la traduction de la Bible en langues vernaculaires européennes pour la reconnaissance de ces nouvelles langues vernaculaires, ce qu’affirment Pascale Casanova dans La république mondiale des lettres7,Jean Delisle et Judith Woodsworth, dans Les traducteurs dans l’histoire8.
Référence :
ADEL, Maxime, Approche polysémique et traductologique du Coran. La sourate XXII (Al-Ḥajj [le pèlerinage]) comme modèle, Éditions Universitaires Européennes, London, 2022 (ISBN 978-620-3-44527-5), p. 49 & 50.
https://catalogue.univ-amu.fr/cgi-bin/koha/opac-detail.pl?biblionumber=1218398
Aix-en-Provence, 26 juillet 2023
Liens de la thèse de doctorat :
« Approche polysémique et traductologique du Coran. La sourate XXII (Al-Ḥajj [le pèlerinage]) comme modèle »
préparée par Mohamed Ali ABDEL JALIL (Maxime ADEL) à l’Université d’Aix-Marseille sous la direction deRichard Jacquemond et soutenue le 23/11/2017 :
-
https://www.morebooks.shop/shop-ui/shop/product/978-620-3-44527-5
-
https://catalogue.univ-amu.fr/cgi-bin/koha/opac-detail.pl?biblionumber=1218398
-
https://catalogue.univ-amu.fr/cgi-bin/koha/opac-detail.pl?biblionumber=1080639
-
https://www.sudoc.abes.fr/cbs/xslt/DB=2.1//SRCH?IKT=12&TRM=233031707
-
https://www.sudoc.abes.fr/cbs/xslt/DB=2.1//SRCH?IKT=12&TRM=267606311
Quelques articles en français écrits par Maxime ADEL :
1- « Le Coran : texte révélé ou texte traduit ? »: https://www.academia.edu/14398653
2- « L’impact du Coran sur la culture arabe » : https://www.academia.edu/12169291
3- « L’analyse du Coran à la lumière de la déconstruction de DERRIDA La sourate XXII (Al-Ḥajj) comme modèle » :https://www.academia.edu/7137856
http://www.maaber.org/issue_june14/spotlights1_f.htm
http://cham2013.canalblog.com/archives/2022/06/09/39512093.html
https://p1.storage.canalblog.com/13/33/1101800/131366501.pdf
5- « Discours de soutenance de thèse de Mohamed Ali Abdel Jalil » :
https://www.academia.edu/45141454/
Discours_de_soutenance_de_thèse_de_Mohamed_Ali_Abdel_Jalil_Maxime_Adel_23_11_2017
https://p9.storage.canalblog.com/99/30/1101800/128671251.pdf
Les liens des articles se trouvent sur le site de l’IREMAM–CNRS : https://www.iremam.cnrs.fr/fr/adel-maxime
Maxime ADEL
Professeur agrégé d’arabe, islamologue, traductologue,
calligraphe, traducteur, essayiste
https://www.iremam.cnrs.fr/fr/adel-maxime
https://fr.wikipedia.org/wiki/Mohamed_Ali_Abdel_Jalil
1 Voici un exemple entre autres sur la ressemblance flagrante entre le Coran et les anciennes Écritures. Le verset coranique XX, 12 est quasi identique avec le verset biblique 3 : 5 de l’Exode. (Ṣafadī, Muḥammad, « Al-wādī al-muqaddas Ṭuwā wa-al-lugha al-ʿibryya » [« Le Val sacré Ṭuwā et l’hébreu »], site web Al-Ḥiwār al-Mutamaddin, n° 2657, 25/05/2009. Saʿdāwī, ʿAlī, « Al-wādī al-muqaddas Ṭuwā, khaṭaʾ fi t-tarjama » [« Le Val sacré Ṭuwā, une erreur de traduction], blog Iktashif ḥaqīqat al-Islām, 2011.)
فاخْلَعْ نَعلَيكَ إنَّكَ بِالْوَادِ المُقَدَّسِ طُوى. (طه، 12)
Fa-khlaʿ naʿlayka innaka bi-l-wādi l-muqaddasi Ṭuwā. (Coran, Ṭāhā, 12)
Retire tes sandales. Tu te trouves dans le Val sacré de Tuwâ* [NDT : Tuwâ, mot énigmatique] (Coran, trad. Berque).
שַׁל-נְעָלֶיךָ, מֵעַל רַגְלֶיךָ--כִּי הַמָּקוֹם אֲשֶׁר אַתָּה עוֹמֵד עָלָיו, אַדְמַת-קֹדֶשׁ הוּא. (Exodus Chapter 3 שְׁמוֹת, site Mechon Mamre, http://www.mechon-mamre.org/p/pt/pt0203.htm)
Shāl naʿlīkhā maʿāl rijlīkhā kī hamkom ashīr ata ʿomīd ʿlāf admāt qodesh huwa.
« put off thy shoes from off thy feet, for the place whereon thou standest is holy ground. [∅] » (Exodus Chapter 3)
« ôte tes souliers de tes pieds, car le lieu sur lequel tu te tiens est une terre sainte. [∅] » (Exode 3 : 5, trad. Louis Segond).
Un hadith souligne l’opération de la traduction de l’Évangile depuis l’hébreu vers l’arabe réalisée par Waraqa b. Nawfal, le cousin de Khadija, la première épouse du prophète de l’islam, et probablement le maître spirituel de ce dernier, d’autant plus que, selon Al-Bukhārī, « lorsque Waraqa est décédé, la révélation s’est tarie ». Le hadith rapporté par Al-Bukhārī dit : « Ensuite Khadija le conduisit chez son cousin du côté de son père Waraqa b. Nawfal b. Asad b. ʿAbd al-ʿUzzā b. Quṣay. Celui-ci avait embrassé le christianisme pendant la période préislamique, et il avait pris l’habitude de transcrire l’Écriture hébraïque. Il copiait toute la partie de l’Évangile des Hébreux que Dieu avait voulu qu’il transcrivit. Waraqa était âgé et il a perdu la vue. […] Ensuite Waraqa ne tarda pas à décéder et la révélation se tarit ». (Ṣaḥiḥ Al-Bukhārī, volume 4, livre 55, n° 605). Un autre hadith attribué au plus important scribe de Mahomet montre les sources étrangères éventuelles du Coran. Selon Zayd b. Thābit : « L’Envoyé de Dieu dit : “Il me vient des écrits [kutub], et je ne veux pas que tout un chacun les lise, peux-tu apprendre l’écriture de l’hébreu, ou bien il dit du syriaque ?”. Je dis : “Oui”, et je l’appris en dix-sept-jours » ! (Ibn ʿAsākir, Tārikh Dimashq[I-LXXX, éd. Muḥibb ad-Dīn al-ʿAmrawī, Beyrouth, Dār al-Fikr, 1995-2000], XIX, p. 303. Voir aussi : Aṭ-ṭabaqāt al-kubrā d’Ibn Saʿd et Musnad d’Ibn Ḥanbal, textes numériques).Voir : « Le Coran : texte révélé ou texte traduit ? » :
https://www.academia.edu/14398653
https://www.academia.edu/14398653/Le_Coran_texte_r%C3%A9v%C3%A9l%C3%A9_ou_texte_traduit_texte_modifi%C3%A9.Voir l’article en arabe intitulé : "القرآن العربي نص مترجَم إلى العربية", Site al-Ḥiwār al-Mutamaddin,http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=341103; https://www.il7ad.org/vb/showthread.php?t=2364.
2 Christoph Luxenberg, The Syro-Aramaic Reading of the Koran : A Contribution to the Decoding of the Language of the Koran [Lecture syro-araméenne du Coran : une contribution pour décoder la langue du Coran], op. cit., (titre original en allemand : Die syro-aramäische Lesart des Koran – Ein Beitrag zur Entschlüsselung der Koransprache, publié en 2000), traduction anglaise publiée à Berlin en 2007 par Verlag Hans Schiler.
3 Michel Orcel, L’invention de l’islam : Enquête historique sur les origines, Éditions Perrin, 2012. Version électronique consultée le 17/07/2017 : https://books.google.fr/books?id=RISfXyQKUasC&pg=PR7-IA17&dq=Mecque+archéologie&hl=fr&sa=X&ei=4dyNUZiUF8GyPMDtgHA&ved=0CEQQ6AEwAg#v=onepage&q=Mecque%20archéologie&f=false.
4 Patricia Crone, « What do we actually know about Mohammed ? », site web opendemocracy.net, 10 juin 2008. Patricia Crone définit les travaux de Luxenberg comme « susceptibles de soulever de nombreuses objections scientifiques » [« open to so many scholarly objections »]. https://www.opendemocracy.net/faith-europe_islam/mohammed_3866.jsp ;http://moodle.huji.ac.il/hu11/file.php/16423/Crone_what_we_know_Muhammad.pdf (consultés le 17/07/2017).
5 À propos du travail de Luxenberg, voici l’avis de Pierre Lory qu’il nous a envoyé par courrier électronique :
« Luxenberg a l’avantage de souligner combien de passages ou termes du Coran sont incompréhensibles ou non interprétables en tout cas. Le principal reproche que je fais à sa méthode est d’avoir conçu abstraitement une grille d’explication qu’il applique ensuite de façon trop rigide. Au départ cependant, sa grille aurait dû être mieux justifiée. Il pose en introduction (le Coran est un lectionnaire syriaque), ce qui est simultanément sa conclusion. Ceci dit, certaines de ses idées peuvent être ponctuellement fécondes, me semble-t-il. Pour le reste, je ne connais pas le syriaque et ne puis guère aller plus loin. »
6 Claude Gilliot, « L’embarras d’un exégète musulman face à un palimpseste. Māturīdī et la sourate de l’Abondance (al-Kawthar, sourate 108), avec une note savante sur le commentaire coranique d’Ibn al-Naqīb (m. 698/1298) », 2004, p. 22,https://halshs.archives-ouvertes.fr/halshs-00006638/document (consluté le 17/07/2017). Voir aussi du même auteur : « Méthodes et débats. Langue et Coran : une lecture syro-araméenne du Coran », Arabica, T. 50, Fasc. 3 (Juil. 2003), pp. 381-393. (https://www.jstor.org/stable/4057635?seq=1#page_scan_tab_contents consulté le 19/07/2017).
8 Jean Delisle et Judith Woodsworth, Les traducteurs dans l’histoire, Presses de l’Université d’Ottawa, 1995.